130

فإن لقائل أن يقول، إن السواد ليس من حيث هو مضاف، يقبل الأشد والأضعف بل لطبيعة كيفيته، وأما الأين، فإنما يقبل ذلك، من حيث إضافة تعرض لأينيته؛ وهو قرب وبعد من الطرف. ثم إذا اشتغلت بتوضيح الحق فى جميع هذا، كان خروجا إلى صناعة أخرى. فلنسلم الآن لهذا القائل، إن الأين إنما يقبل من حيث هو مضاف، لا من حيث هو أين؛ ولنترك القول فى أمر السواد والبياض منهما. وأما " متى " فإنه أيضا نسبة ما للشئ إلى الزمان، وهو فى كونه فى نفسه أو فى طرفه، فإن كثيرا من الأشياء يقع فى أطراف الأزمنة، ولا يقع فى الأزمنة، ويسأل عنها: " بمتى " ، ويجاب. وإذا نسب الشئ إلى الزمان، فإما أن ينسب إلى زمان أول مطابق له ولا يفضل عليه، كقولهم: كان هذا الأمر وقت الزوال؛ وإما زمان أعم من ذلك يكون نظير السوق فى الأين، كقولهم: كان هذا فى سنة كذا، ولم يكن فى جميع السنة، بل فى جزء منها، وليس الزمان المطابق، كالمكان المطابق فى أنه لا يشارك فيه فى النسبة إليه؛ بل الزمان الواحد الحقيقى المعين، تنسب إليه أشياء كثيرة، فيكون كل واحد منها فيه على سبيل المطابقة. لكن مع ذلك، فإن كل واحد كائن فيه، تكون هى نسبة الخاصية إليه، التى لو عدمت لبقيت نسبة خاصية للأخرى، وإن كان المنسوب إليه واحدا نظير ما قلنا فى النسبة إلى السوق، ولا نحتاج أن نطول بذكر ما قاله المتقدم المذكور فى " متى " ؛ وفيما هو جوابه؛ فإنه إذ قال ما قال فى المكان؛ فهو قوله فى الزمان.

أقول: وقد هول فاضل المتأخرين فى " العبارة " عن " المتى " الخاص تهويلا مفرطا، فقال: إن " متى " نسبة الشئ إلى الزمان، الذى يساوق وجوده، وتنطبق نهايتا، على نهايتى وجوده، أو زمان محدود، هذا الزمان جزء منه. وذلك أنه ذكر نهايتى وجوده، فإما أن يعنى به نهايتى مقداره، أو نهايتى حركته، أو نهايتى زمان وجوده ، أو نهايتى متاه ونسبته إلى زمانه فإن عنى نهايتى مقداره، فليس ينطبق عليهما نهايتا زمانه؛ وإن عنى نهايتى حركته، فيختص بذلك المتحرك المتصل الحركة أو الحركة نفسها، وليس الغرض متجها إلى هذا وحده؛ وأما نهايتا زمان وجوده حاصلا، فلا ينطبق عليهما نهايتا زمانه، بل هما هما؛ وأما نهايتا النسبة، فيمكن أن يجعل له وجه تأويل، فيقال: إن معناه أن متاه، هو نسبته إلى زمان تنطبق نهايتاه على نسبتين له إلى نهايتى هذا الزمان، ثم لا نسبة له قبل أولاها ولا بعد أخراها إليه. فيجب أن يفهم قوله على هذا الوجه. لكن نسبة الشئ إلى " الآن " الذى يقارنه عسى أن يظن بها أنها ليست من مقولة " متى " بذاتها، فإن كان ذلك كذلك، فكان هذا الرسم غير صحيح، وذلك لأن كون الشئ فى آن ما، لا يحمل عليه هذا الحد، وهو من مقولة " متى " ، لكن الحق أن " الآن " لا يصح إليه نسبة معقولة، محتمل أن يكون بها جواب " متى " إلا أن يشار إلى الذى يتحدد بذلك " الآن " فيكون للشئ نسبة إلى الزمان، لا على أنه فيه بل على أنه فى طرفه، ومع ذلك يكون " آنا " .

فهذا يفسد ما قاله هذا الفاضل، اللهم إلا أن يحكم بأن النسبة إلى الآن ليست من مقولة " متى " ، لكنها لا مقولة لها تليق بها غير هذه المقولة، ولا نعلمها غير داخلة فى مقولة أصلا؛ ثم بعد هذا يظن كأن الاشتغال به يخوض بالمبتدئ فيما لا يعنيه.

واعلم أنه كما لم تكن الإضافة معنى مركبا يوجب تركيبه ترديدها بين شيئين، إذ لم يكونا جزأين منها، بل كانا أمرين خارجين عنها، حين تتعلق بهما، كذلك الأين " ومتى " لايجب أن يظن فيهما تركيب، بسبب أن لكل واحد منهما نسبة إلى شئ؛ فإن النسبة، ليست المنسوب، ولا المنسوب إليه جزء منها حتى تكون الجملة هى النسبة، فتكون النسبة حينئذ جزءا لذاتها، إذ الجملة تحصيل جملة من الأشياء ومن الجمع نفسه؛ فيكون الجمع كالصورة، وهما كالمادة، والمجموع كالمركب، والجمع جزء من المركب ، كالصورة؛ وإذ هذا محال، فليس الأين، ولا " متى " ، مركبا.

الفصل السادس فصل (و) في باقي المقولات العشر

صفحہ 134