وإما أن لا يبلغ الأمر بأحدهما. أن يغلب على الآخر حتى يحيل جوهره؛ بل يحيل كيفيته إلى حد ليستقر الفعل والانفعال عليه، ويحدث كيفية متشابهة فيها تسمى المزاج، وهذا الاجتماع يسمى الامتزاج. فإن وقع اجتماع كما بين دقيق الحنطة والشعير، ولم يجر فيما بينهما فعل أو انفعال فلم يسم ذلك امتزاجا، بل تركيبا واختلاطا .ومن الناس من يستعمل فى هذا الموضع لفظة الاختلاط مكان لفظة الامتزاج.
ثم قد أجمع المشاءون عن آخرهم أن الامتزاج لا يقع إذا كان البسيطان محفوظين، ولو كانت البسائط تحفظ عن حالها لما كان يوجب اجتماعهما لحمية أو عظمية؛ بل لكان المركب إنما تخفى بسائطه حسا، وهى موجودة فيه، حتى لو كان الحس البصرى فى غاية القوة على الإدراك، لكان ذلك الإنسان يرى فى اللحم ماء وأرضا ونارا وهواء متميزات. فلا يكون حينئذ اللحم بالحقيقة لحما؛ بل بحسب رؤية إنسان دون إنسان. قالوا: ولا إذا فسد أحدهما، ولا إذا فسد كلاهما؛ فإن الفاسدين لا يصلح أن يقال لهما ممتزجين، ولا الفاسد والباقى.
ثم قال المعلم الأول، بعد ذلك، فالممتزجات ثابتة بالقوة. وقال ولكن الممتزجات قوتها ثابتة، وعنى بالقوة الفعلية التى هى الصورة ولم يعن أنها تكون موجودة بالقوة التى تعتبر فى الانفعالات التى تكون للمادة فى ذاتها. فإن الرجل إنما أراد أن يدل على أمر يكون لها، مع أنها لا تفسد. وإنما يكون ذلك إذا بقيت لها قوتها التى هى صورتها الذاتية. وأما القوة التى بمعنى الاستعداد فى المادة فإنها تكون مع الفساد والرجوع إلى المادة، أو قد تكون مع الفساد. فإنها لو فسدة أيضا لكانت ثابتة بتلك القوة. فإن الفاسد هو ، بالقوة، بشىء الذى كان أولا، ويرجع إليه.
صفحہ 127