فالمساوي إنما يقابل عدمه وهو اللا مساواة، لكن اللا مساواة تلزم هذين أعني الأعظم والأصغر. كالجنس لست أعني أنه جنس، بل أعني أنه يلزم كل واحد منهما، فإن واحد منهما هو عظيم، والعظيمية معنى وجودي يلزمه هذا العدم، والآخر صغير، والصغيرية من تلك الحيثية كذلك.
الفصل السابع (ز) فصل في أن الكيفيات أعراض.
فنتكلم الآن في الكيفيات. أما الكيفيات المحسوسة والجسمانية فلا يقع شك في وجودها، وقد تكلمنا أيضا في وجودها في مواضع أخر، ونقضنا مشاغبات من تمارى في ذلك. لكنه إنما يقع الشك في أمرها، أنها هل هي أعراض أو ليست بأعراض. فإن من الناس من يرى أن تلك جواهر تخالط الأجسام وتسري فيها، فاللون بذاته جوهر، والحرارة كذلك، وكل واحد من هذه الأخر، فهي عنده بهذه المنزلة. وليس يقنعه أن هذه الأشياء توجد تارة وتعدم تارة، والشيء المشار إليه قائم موجود. فإنهم يقولون: إنه ليس يعدم ذلك، بل يأخذ يفارق قليلا قليلا، مثل الماء الذي يبتل به ثوب، فإنه بعد ساعة لا يوجد هناك ماء، ويكون الثوب موجودا بحاله، ولا يصير الماء بذلك عرضا، بل الماء جوهرا له أن يفارق جوهرا آخر لاقاه فربما فارق مفارقة لا يحس فيها بالأجزاء المفارقة منه، لأنها فارقت وهي أصغر مما يدركه الحس مفارقة مفترقة؛ ويقول بعضهم: إنها قد تكمن. فبالحري أن نبين أن ما يقولونه باطل، فنقول: لا يخلو إن كانت هذه الجواهر إما أن تكون جواهر هي أجسام، أو تكون جواهر ليس بأجسام. فإن كانت هذه جواهر غير جسمانية فإما أن تكون بحيث يمكن أن تؤلف منها أجسام، وهذا محال، إذ ما يتجزأ في أبعاد جسمانية فليس بالممكن أن يؤلف منه جسم؛ وإما أن لا يمكن، إنما يكون وجوده بالمقارنة للأجسام والسريان فيها. فأول ذلك لأنه لا يجوز لهذه الجواهر وضع، وكل جوهر ذي وضع فإنه منقسم، وقد بين ذلك. وثانيا، أنه لا يخلو إما أن يكون كل واحد من هذه الجواهر من شأنه أن يوجد مفارقا للجسم الذي يكون فيه، أو لا يكون؛ فإن لم يكن يوجد مفارقا، وكان وجوده في الأجسام على أنها موضوعات له، إذ ليست فيه كالأجزاء، ولا هي مفارقته، والجسم الموصوف بها مستكمل الجوهرية بنفسه، فليست إلا أعراضا، وإنما لها اسم الجوهرية فقط. وإن كانت تفارق أجسامها فإما أن تكون مفارقة تنتقل بها من جسم إلى جسم من غير أن يصح لها قوام مجرد، أو تكون لها مفارقة قوام مجرد. فإن كانت إذا لم توجد في جسم وكانت فيه، فإنما يكون ذلك بأن ينتقل إلى الآخر، فيجب من
صفحہ 67