الإله تعالى جده. فهذا هو قدر ما يكون قد وقفت عليه فيما سلف لك من الكتب. ولم يتبين لك من ذلك الموضوع للعلم افلهي ما هو بالحقيقة إلا إشارة جرت في كتاب البرهان من المنطق إن تذكرتها. وذلك أن في سائر العلوم قد كان يكون لك شيء هو موضوع، وأشياء هي المطلوبة، ومبادئ مسلمة منها تؤلف البراهين. والآن، فلست تحقق حق التحقيق ما الموضوع لهذا العلم، وهل هو ذات العلة الأولى حتى يكون المراد معرفة صفاته وأفعاله أو معنى آخر. وأيضا قد كنت تسمع أن ههنا فلسفة بالحقيقة، وفلسفة أولى، وأنها تفيد تصحيح مبادئ سائر العلوم، وأنها هي الحكمة بالحقيقة. وقد كنت تسمع تارة أن الحكمة هي أفضل علم بأفضل معلوم، وأخرى أن الحكمة هي المعرفة التي هي أصح معرفة واتقنها، وأخرى أنها العلم بالأسباب الأولى للكل. وكنت لا تعرف ما هذه الفلسفة الأولى، وما هذه الحكمة، وهل الحدود والصفات الثلاث لصناعة واحدة، أو لصناعات مختلفة كل واحدة منها تسمى حكمة. ونحن نبين لك الآن أن هذا العلم الذي نحن بسبيله هو الفلسفة الأولى، وأنه الحكمة المطلقة، وأن الصفات الثلاث التي رسم بها الحكمة هي صفات صناعة واحدة، وهذه هي الصناعة. وقد علم أن لكل علم موضوعا يخصه، فلنبحث الأن عن الموضوع لهذا العلم، ما هو؟ ولننظر هل الموضوع لهذا العلم هو إنية الله تعالى جده، أو ليس كذلك، بل هو شيء من مطالب هذا العلم؟ فنقول: أنه لا يجوز أن يكون ذلك هو الموضوع، وذلك لأن موضوع كل علم هو أمر مسلم الوجود في ذلك العلم، وإنما يبحث عن أحواله. وقد علم هذا في مواضع أخرى. ووجود الإله تعالى جده لا يجوز أن يكون مسلما في هذا العلم كالموضوع، بل هو مطلوب فيه. وذلك لإنه إن لم يكن كذلك لم يخل إما أن يكون مسلما في هذا العلم أو مطلوبا في علم آخر، وإما أن يكون مسلما في هذا العلم وغير مطلوب في علم آخر. وكلا الوجهين باطلان. وذلك لأنه لا يجوز أن يكون مطلوبا في علم آخر، لأن العلوم الأخرى إما خلقية أو سياسية، وإما طبيعية، ومارياضية، وإما منطقية. وليس في العلوم الحكمية علم خارج عن هذه القسمة، وليس ولا في شيء منها يبحث عن إثبات الأله تعالى جده، ولا يجوز أن يكون ذلك، وأنت تعرف هذا بأدنى تأمل لأصول كررت عليك. ولا يجوز أيضا أن يكون غير مطلوب في علم آخر لأنه يكون حينئذ غير مطلوب في علك البتة. فيكون إما بينا بنفسه، وإما مأيوسا عن بيانه بالنظر، وليس بينا بنفسه ولا مأيوسا عن بيانه، فإن عليه دليلا. ثم المأيوس عن بيانه كيف يصح تسليم وجوده؟ فبقي أن نبحث عنه إنما هو
صفحہ 2