ماهيته تكفي لأي الأمرين كان، حتى يكون حاصلا، فيكون ذلك الأمر واجب الماهية لذاته، وقد فرض غير واجب، هذا خلف. وإن كان لا يكفي فيه وجود ماهيته، بل أمر يضاف إليه وجود ذاته، فيكون وجوده لوجود شيء آخر غير ذاته لا بد منه فهو علته، فله علة. وبالجملة فإنما يصير أحد الأمرين واجبا له، لا لذاته، بل لعلة. أما المعنى الوجودي فبعلة، هي علة وجودية. وأما المعنى العدمي فبعلة، هي عدم العلة للمعنى الوجودي، وعلى ما علمت. فنقول: إنه يجب أن يصير واجبا بالعلة، وبالقياس إليها. فإنه إن لم يكن واجبا، كان عند وجود العلة وبالقياس إليها ممكنا أيضا، فكان يجوز أن يوجد وأن لا يوجد غير متخصص باحد الأمرين، وهذا محتاج من رأس إلى وجود شيء ثالث يتعين له به الوجود من العدم، أو العدم عن الوجود عند وجود العلة، فيكون ذلك علة أخرى، ويتمادى الكلام إلى غير النهاية. وإذا تمادى إلى غير النهاية لم يكن، مع ذلك، قد تخصص له وجوده، وهذا محال. لا لأنه ذاهب إلى غير النهاية في العلل فقط، فإن هذا في هذا الموضع بعد مشكوك في إحالته، بل لأنه لم يوجد بعد مل يتخصص به وقد فرض موجودا. فقد صح أن كل ما هو ممكن الوجود لا يوجد ما لم يجب بالقياس إلى علته. ونقول: ولا يجوز أن يكون واجب الوجود مكافئا لواجب وجود آخر، حتى يكون هذا موجودا مع ذلك، وذلك موجودا مع هذا، وليس أحدهما علة للاخر، بل هما متكافئان في أمر لزوم الوجود. لأنه لا يخلو إذا اعتبر ذات أحدهما بذاته دون الآخر، إما ان يكون واجبا بذاته أو لا يكون واجبا بذاته، فإن كان واجبا بذاته فلا يخلو إما أن يكون له وجوب أيضا باعتباره مع الثاني، فيكون الشيء واجب الوجوب بذاته، وواجب الوجود لأجل غيره، وهذا محال، كما قد مضى. وإما أن لا يكون له وجوب بالآخر، فلا يجب أن يتبع وجوده وجود الآخر، ويلزمه أن لا يكون لوجوده علاقة بالآخر، حتى يكون إنما يوجد إذا وجد الآخر هذا. وأما إن لم يكن واجبا بذاته، فيجب أن يكون باعتبار ذاته ممكن الوجود، وباعتبار الآخر واجب الوجود. فلا يخلو حينئذ إما أن يكون الآخر كذلك أو لا يكون، فإن كان الآخر كذلك فلا يخلو حينئذ إما أن يكون وجوب الوجود لهذا من ذلك، وذلك في حد إمكان الوجود، أو في حد وجوب الوجود. فإن كان وجوب الوجود لهذا من ذلك، وذلك هو في حد وجوب الوجود، وليس من نفسه، أو من ثالث سابق، كما قلناه في وجه سلف، بل من الذي يكون منه، كان وجوب وجود شرطا فيه وجوب وجود ما يحصل بعد وجوب وجوده، بعدية بالذات فلا يحصل له وجوب وجود البتة. وإن كان وجوب الوجود لهذا من ذلك، وذلك في حد الإمكان، فيكون وجوب وجود هذا بالذات ذلك هو في حد الإمكان،
صفحہ 21