فقد عرفت هذين القسمين، وتبين لك من ذلك بأدنى تأمل أن الغاية التي تنتهي إليها الحركة في كل حال من حيث هي غاية الحركة، هي غاية أولى حقيقية للقوة الفاعلة المحركة التي في الأعضاء، وليس للقوة المحركة التي في الأعضاء غاية غيرها، لكنه ربما كان للقوة التي قبلها غاية غيرها، فليس يجب دائما أن يكون ذلك الأمر غاية أولى للقوة الشوقية: تخييلية كانت أو فكرية، ولا أيضا دائما يجب أن لا يكون، بل ربما كان، وربما لم يكن، كما تبين لك في المثالين. أما الأول منهما فكانت الغاية فيهما واحدة، وأما الثاني فكانت مختلفة. والقوة المحركة التي في الأعضاء مبدأ حركة لا محالة، والقوة الشوقية ايضا مبدأ أول لتلك الحركة، فإنه لا يمكن أن تكون حركة نفسانية لا عن شوق البتة، لأن الشيء الذي لا تنبعث إليه القوة ثم تنبعث إليه إنبعاثا نفسانيا يكون بتشوق نفساني لا محالة قد حدث بعد ما لم يكن. فإذن كل حركة نفسانية مبدؤها الأقرب قوة محركة في عضل الأعضاء، ومبدؤها الذي يليه شوق، والشوق - كما علم في علم كتاب النفس - تابع لتخيل أو فكر لا محالة، فيكون المبدأ الأبعد تخيلا أو فكرا. فإذن ههنا مبادئ للحركات النفسانية. منها واجبة بأعيانها ضرورة. ومنها غير الواجبة بأعيانها ضرورة. والواجبة ضرورة: هي القوى المحركة في الأعضاء، والقوة الشوقية. وغير الواجبة: هي التخيل والفكر، فإنه ليس يجب لا محالة أن يكون تخيل ولا فكر أو فكر ولا تخيل ولكل مبدأ حركة غاية لا محالة والمبدأ الذي لا بد منه في الحركة الإرادية له غاية لا بد منها، والمبدأ الذي منه بد توجد الحركة خالية عن غايته؛ فإن اتفق أن يتطابق المبدأ الأقرب - وهو القوة المحركة - والمبدءان اللذان بعده - أعني الشوقية مع التخيل أو الشوقية مع الفكرية - كانت نهاية الحركة هي الغاية للمبادئ كلها، وكان ذلك غير عبث لا محالة. وإن اتفق أن يختلف؛ أعني أن لا يكون ما هو الغاية الذاتية للقوة المحركة غاية، ذاتية للقوة الشوقية، وجب ضرورة أن يكون للقوة الشوقية غاية أخرى بعد الغاية التي في القوة المحركة التي للعضو؛ وذلك لأنا قد أوضحنا أن الحركة الإرادية لا تكون بلا شوق وكل ما هو شوق فهو شوق لشيء، وإذا لم يكن لمنتهى الحركة كان لشيء آخر غيره لا محالة، وإذا كان ذلك الشيء يراد لأجله الحركة فيجب أن يكون بعد انتهاء الحركة.
صفحہ 145