وأن أسم المقدار يقع عليهما بالإشتراك. وإذا كان ذلك فليس موضوع الهندسة بالحقيقة هوالمقدار المعلوم المقوم للجسم الطبيعي، بل المقدار المقول على الخط والسطح والجسم. وهذا هو المستعد للنسب المختلفة. وأما العدد فالشبهة فيه آكد، ويشبه في ظاهر النظر أن يكون علم العدد هو علم "ما بعد الطبيعة". إلا أن يكون علم "ما بعد الطبيعة" إنما يعنى به شيء آخر، وهو علم "ما هو مباين" من كل الوجوه للطبيعة، فيكون قد سمي هذا العلم بأشرف ما فيه. كما يسمى هذا العلم بالعلم الإلهي أيضا، لأن المعرفة بالله تعالى هي غاية هذا العلم. وكثيرا ما تسمى الأشياء من جهة المعنى الأشرف، والجزء الأشرف، والجزء الذي هو كالغاية. فيكون كأن هذا العلم هو العلم الذي كماله، وأشرف اجزاءه، ومقصوده الأول، هو معرفة ما يفارق الطبيعة من كل وجه. وحينئذ إذا كانت التسمية موضوعا بإزاء هذا المعنى لا يكون لعلم العدد مشاركة له في معنى هذا الإسم، فهذا هذا. ولكن البيان المحقق لكون علم الحساب خارجا عن علم "ما بعد الطبيعة" هو أنه سيظهر لك أن موضوعه ليس هو العدد كل كل وجه، فإن العدد قد يوجد في الأمور المفارقة، وقد يوجد في الأمور الطبيعية، وقد يعرض له وضع في الوهم مجردا عن كل شيء وهو عارض له. وإن كان لا يمكن أن يكون العدد موجودا، إلا عارضا لشيء في الوجود.فما كان من العدد وجوده في الأمور المفارقة، امتنع أن يكون موضوعا لأية نسبة اتفقت من الزيادة والنقصان، بل إنما يثبت على ما هو عليه فقط، بل إنما يجب أن يوضع بحيث يكون قابلا لأي زيادة اتفقت، ولأي نسبة اتفقت إذا كان في هيولي الأجسام التي هي بالقوة كل نحو من المعدودات، أو كان في الوهم؛ وفي الحالين جميعا هو غير مفارق للطبيعة، فإذن علم الحساب من حيث ينظر في العدد إنما ينظر فيه وقد حصل له الإعتبار الذي إنما يكون له عند كونه في الطبيعة، ويشبه أن يكون أول نظره فيه هو في الوهم، ويكون إنما هو في الوهم بهذه الصفة، لأنه وهم له مأخوذ من أحوال طبيعية لها أن تجتمع وتفترق وتتحدد وتنقسم. فالحساب ليس نظرا في ذات العدد، ولا نظرا في عوارض العدد من حيث هو عدد مطلقا؛ بل هو في عوارضه من حيث هو يصير بحال تقبل ما أشير إليه، وهو حينئذ مادي أو وهمي إنساني يستند إلى المادة. وأما النظر في ذات العدد، وفيما يعرض له من حيث لا يتعلق بالمادة ولا يستند إليها، فهو لهذا العلم.
الفصل الرابع: (د)
صفحہ 12