على هذه الصورة كان المسرح في بريطانيا فيما بين عامي 1950 و1956 عندما ظهرت مسرحية «انظر إلى الوراء غاضبا» لأوزبورن، وكان التليفزيون منافسا قويا، والإذاعة تغني عن المسرح، وبخاصة ما يذاع في البرنامج الثالث الذي برز فيه هنري ريد وجايلز كوبر.
وكاد هواة المسرح أن يفقدوا الأمل في إحيائه حتى كان عام 1956، وكانت الثورة التي لا زلنا حتى اليوم في إثرها، والتي انتقل صداها إلى الجمهورية العربية المتحدة. •••
وأعود إلى مسرحية «الشياطين» فأقول إنها مسرحية تقوم على أساس تاريخي، وتعود في مناظرها إلى القرن السابع عشر، وما كان يسوده من معتقدات دينية وأنظمة سياسية.
تجري حوادثها في فرنسا حينما كان الملك لويس الثالث عشر يريد - بمشورة الكاردينال ريشيليو وبإيعاز منه - أن يبسط نفوذه كاملا على فرنسا كلها، فيدك حصون المقاطعات ويقضي على سلطة حكامها المحليين ليخضعوا جميعا لفرنسا الموحدة، وفي المسرحية مناظر كثيرة مما كان يثار حول هذه السياسة من جدل.
وهي تروي قصة قسيس عاش في ذلك القرن لا يطمئن إلى السائد من المعتقدات، فأخذ يبحث عن الله بكافة الوسائل بغية الاتصال به والاتحاد معه، وظن أول الأمر أن الاتصال بالله لا يكون إلا عن طريق محبة الناس، والمحبة أحر ما تكون بين الجنسين، فعاشر النسوة راهبات وغير راهبات واتصل ببعضهن اتصالا جنسيا مما لا يتفق والوظيفة الدينية التي يشغلها، واسترسل في الشهوات لا طمعا فيها ولكن تعبيرا بها عن شدة العطف والمحبة، أو كما يقول في بداية الفصل الثاني:
أملا في أن أصل إلى الله عن طريق مخلوق، الأمل في أن الطريق - التي يسير المرء فيها وحيدا فتكون طريق اليأس - يمكن أن تضاء بحب امرأة، ولقد آمنت بأنه يمكنني بهذا العمل اليسير الذي ألزمت به نفسي (يقصد اتصاله بفتاة)، والذي قمت به من كل قلبي، أن أصل إلى الله عن طريق السعادة.
الحب عنده لون من ألوان النشاط الإنساني التي يمارسها لهدف نهائي واحد هو صلته بالله.
كل أمور الدنيا لها غرض واحد لرجل مثلي، السياسة والسلطة، والحواس، والثراء، والفخر، والنفوذ، إنني أنتقي منها بنفس العناية التي تنتقي أنت بها يا سيدي (مخاطبا حاكم المدينة) سلاحك، ولكن هدفي مختلف، إنني أريد أن أصوبه إلى نفسي.
الله عنده يشمل كل شيء، استمع إليه يقول:
صورته (أي الله) من النور ومن الهواء، من تراب الطريق، من عرق يدي ومن القذارة، ومن ذكرى وجوه النساء، من الأنهار العظيمة، من الأطفال، من عمل الإنسان، من الماضي، من الحاضر، من المستقبل، ومن المجهول، صورته من الخوف ومن اليأس، وجمعت كل شيء من هذا العمل العظيم، كل ما عرفت، وما رأيت، ومارست، ذنوبي ، ومزاعمي، وغروري ، ومحبتي، وكراهيتي وشهوتي، وأخيرا وهبت نفسي، وهكذا صورت الله لنفسي، وكان عظيما لأنه كل هذه الأشياء.
نامعلوم صفحہ