أشخاص المسرحية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
أشخاص المسرحية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الشياطين
الشياطين
نامعلوم صفحہ
تأليف
جون هوايتنج
تقديم وترجمة
محمود محمود
مقدمة
بقلم محمود محمود
كانت المسرحية دائما في تاريخ الأدب الإنجليزي منذ نشأته قالبا من القوالب الأدبية التي يفرغ فيها الكاتب فلسفته وآراءه، وليس هذا عجيبا في بلد خرج منه شكسبير أعظم الكتاب المسرحيين قاطبة في جميع الآداب.
غير أن تاريخ الأدب الإنجليزي - برغم ذلك - يثبت أن المسرحية لم تكن لها الصدارة في هذا الميدان، بل لقد كانت القصة في أكثر العهود تبزها وتتفوق عليها، فهي كما يقول ليدل الناقد الإنجليزي في كتاب له عن القصة نشره في عام 1947: «الشكل النثري الطبيعي الذي اختارته العقول الخلاقة منذ عهد رتشارد سن للتعبير عن الرأي وتحليل الشخصيات.» ولئن صدق هذا القول حتى منتصف القرن العشرين مع قليل من الاستثناء، فهو لا يصدق قطعا في الفترة التي انقضت من النصف الثاني من هذا القرن، وعلى وجه التحديد منذ عام 1956 عندما مثلت لأول مرة مسرحية «انظر إلى الوراء غاضبا» للكاتب المسرحي الحديث جون أوزبورن، ويمكن اعتبار هذه المسرحية حدا فاصلا بين القديم والجديد في المسرح البريطاني.
وربما لم يكن مرد ذلك إلى أن هذه المسرحية قد أتت بجديد غير مسبوق، فقد تقدم نويل كوارد على أوزبورن في الاتجاه الجديد، وإنما مرده إلى نجاح منقطع النظير حظيت به هذه المسرحية، وإقبال الجمهور عليها إقبالا شديدا يدعو إلى الدهشة والعجب.
فحفز هذا النجاح كثيرا من الكتاب المحدثين على الاتجاه نحو المسرحية يتخذونها شكلا للمضمون الذي يريدون الإفصاح عنه، وبدءوا ينصرفون عن الأقصوصة والقصة.
نامعلوم صفحہ
ولم تلق مسرحية أوزبورن هذه رواجا في بريطانيا وحدها، بل لقد عبرت المحيطات إلى القارة الأوروبية إلى أمريكا حيث ظهرت على المسارح هناك، ولقيت من الإقبال ما لقيته في وطن المؤلف، ثم أخرجت في فيلم سينمائي، وكتبت قصة للقراءة لمن لا تتيح له ظروفه مشاهدة التمثيل.
ولم تكن هذه المسرحية مجرد بدعة جديدة لكاتب مبتدع مجدد، فقاعة تنتفخ ثم تنطفئ بعد حين، إنما كانت شيئا أكثر من ذلك، كانت أشبه بالعمل التجاري الذي يطرد في نموه ويعود على صاحبه بالربح الوافر.
ومن أجل هذا أخذ الشباب من الكتاب يحذون حذو أوزبورن طمعا في الشهرة والمال؛ لأن نجاح المسرحية لا يقاس فقط بالإتقان الفني، وإنما يقاس أيضا بمقدار ما تعود به من كسب مادي على كل مشتغل بها.
ذلك لأن المسرحية تحتاج بجانب المؤلف إلى عدد كبير من الفنيين الذين يشتغلون بالإنتاج والإدارة والإخراج والديكور وبغير ذلك من مستلزمات المسرح، وذلك يتطلب نفقات باهظة لا بد أن يقابلها إقبال من المشاهدين لسد هذه النفقات.
ولم تبلغ المسرحيات الجديدة كلها بطبيعة الحال حد الإتقان، غير أن المسارح أغرقت بالعدد العديد منها.
وأهم ما تميزت به استقلالها التام عن الأنماط القديمة، بحيث لم تعد تخضع لقاعدة معينة، أو لشكل معين؛ فهي متنوعة في طريقة الحبك وفي أسلوبها وعرضها للحوادث.
ومن ثم فنحن لا نستطيع أن نقول: إن مدرسة جديدة في فن المسرحية قد ظهرت، أو إن أوزبورن قد خط مذهبا جديدا للدراما، أو إن الكتاب المحدثين قد تأثروا بكاتب وطني أو أجنبي معين، بل إن الكاتب الواحد كثيرا ما يتحول من طريقة إلى أخرى فيما بين المسرحية والمسرحية.
لم تكن هناك حركة معينة لها مؤيدوها ودعاتها، وإنما كان هناك تحرر مطلق من كل قيد، ولعل ما يلفت النظر أن أكثر كتاب المسرحية الجدد من العمال أو من أبناء العمال.
وذلك لأن مسارح لندن كانت تتركز في الحي الغربي منها - وهو الحي الراقي - فكان لا يرتادها إلا الطبقة الراقية، أو الطبقة الوسطى، ومن ثم كان الكتاب الذين يشبعون أذواقهم ينشئون من بين خريجي الجامعات. أما في السنوات العشر الأخيرة، فقد أقيم كثير من المسارح في الحي الشرقي من لندن - حي العمال - وحي الفقراء، فنشأ من بينهم من يمدهم بالمسرحيات التي تتفق وأذواقهم، فكان المسرحيون الجدد جميعا من أبناء الطبقة العاملة مع استثناء جون آردن وجون مورتيمر، وهما من الجامعيين، واتجه بعض الممثلين إلى التأليف لأنهم أعرف بأذواق الجماهير.
ومن النقاد من يقسم كتاب المسرحية إلى واقعيين وغير واقعيين، أو إلى أتباع بريخت وأتباع أيونسكو، غير أني أرى في ذلك تجاوزا للحقيقة، وطغيانا على الشخصيات الجديدة الناشئة ومحاولة لإيجاد أوجه الشبه بينهم، في حين أن أوجه الخلاف هي السمة الظاهرة فيهم.
نامعلوم صفحہ
ومهما يكن من أمر فقد كان في كل عام منذ 1956 يبرز كاتب من بين الكتاب المسرحيين وتعلو قامته عليهم، فكان أوزبورن في 1956، وبرندن بيهان في عام 1957، وشيلا ديلاني في 1958، وآرنولد وسكر في عام 1959، وقد كان هؤلاء يجلبون إلى مسارح لندن وإلى أضواء المدينة الكبرى ما كان يلاقي نجاحا في المدن الصغرى وفي الريف.
وإلى جانب هؤلاء وجدت طائفة أخرى اتجهت نحو التليفزيون، ومنهم كلايف أكستن وآلن أوين الذي بدأ في الإذاعة ثم انتقل إلى التليفزيون، وأخيرا إلى المسرح وكان منهم أيضا هارولد بنتر.
وفي عامي 1962 و1963 لعب «نادي الفنون المسرحية» دورا هاما في الإحياء، فظهر عن طريقه وبتشجيعه من الكتاب ردكن وفرد واطسون وميشيل كودرون، وقد أخرجوا مسرحيات شكسبير إخراجا جيدا.
ولم يحصر هؤلاء مجالهم في المسرح، بل اتخذوا إلى جانبه الإذاعة والتليفزيون والسينما مجالا لعرض نشاطهم الفني. •••
ولكنا إذا كنا نحد تطور المسرح الحديث في بريطانيا بعام 1956 فلا بد أن ننظر قليلا إلى الوراء لنرى الخطوات التي خطاها حتى بلغ هذه المرحلة، فإن الثورة التي تشتعل نيرانها بين يوم وليلة لا بد لها من أسباب سابقة تدعو إلى تفجيرها.
من هذه الأسباب ظهور مسرحية «في انتظار جودو» لايونسكو في مسارح لندن في عام 1951، ومنها تدفق المسرحيات الأمريكية الجديدة على بريطانيا، ومحاولات أخرى بأقلام إنجليزية لتأليف مسرحيات جديدة، أو لإحياء شكسبير، ومنها أيضا الجهود التي بذلها ت. س. إليوت وكرستوفر فراي لإحياء المسرحية الشعرية قبل عام 1950، ومنها مسرحية جريهام جرين التي أخرجها في عام 1953 وعنوانها «حجرة الجلوس»، ومسرحيتا هنتر «مياه القمر» و«يوم في عرض البحر».
ولا ننسى في هذا الصدد أيضا جهود الممثلين الذين تنبهوا إلى أن يقفوا في أدوارهم مواقف طبيعية بعدما كانوا يميلون إلى المبالغة في الحركات وارتفاع الصوت.
غير أن هذه المحالات - مهما تكن - كانت يسيرة محدودة، وقد اجتذبت الإذاعة كثيرا من الكتاب فلم يكن لهم أثر على المسرح، ولم تظهر في المسرح الإنجليزي حركة تجديد وتطور مثلما حدث في فرنسا وفي أمريكا.
ولعل من الاتجاهات الجديدة التي نلمسها في بعض ما استجد من مسرحيات تأثرها بالمذاهب الجديدة كمذهب السير يالزم ومذهب اللامعقول.
ومن كتاب هذه الفترة الذين مهدوا للمسرح الجديد دنيس كانان وجون هوايتنج مؤلف هذه المسرحية «الشياطين» التي ننقلها لقراء العربية في هذه السلسلة.
نامعلوم صفحہ
ولد جون هوايتنج في عام 1917 وتوفي عن خمسة وأربعين عاما سنة 1963، وقد لفت إليه الأنظار منذ أول ظهوره؛ لأنه كان مجددا إلى درجة الإغراق، ثم اختفى فترة من الزمان مغمورا ليعود مرة أخرى بمسرحيته «الشياطين» التي نالت من الجمهور إعجابا شديدا. وقد بدأ حياته ممثلا كغيره من بعض الكتاب المحدثين، وأول ما كتب «شروط الاتفاق» التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، ثم أخرج التليفزيون له «جولة في الصحراء»، وقد دهش لها النقاد حتى قال أحدهم: «ماذا يصنع هذا الرجل، إنه فوق الأربعين من عمره، ولكنه يكتب وكأنه في الثامنة والعشرين.» وأجابه هوايتنج بقوله: «حقا ما تقول، فإني قد تغيرت كثيرا، ولكن شيئا أساسيا في نفسي لا يزال كما كنت أيام الشباب.» ومن مسرحياته أيضا «يوم القديسة» و«ادفع بنسا لتسمع الأغنية» وهي كوميدية في نثر شعري، وفيها يعده بعض النقاد من تلاميذ فراي الذي بعث المسرحية الشعرية في العهد الأخير. وتجري حوادث هذه المسرحية إبان حروب نابليون، وأهم ما تحويه حوار بين رجل متآمر وعامل من عمال المطافئ. وقد ظهرت على المسرح في عام 1951، ولفتت إليها أنظار النقاد بالرغم من أنها لم تنجح نجاحا كبيرا لدى الجمهور، ولم تعد على كاتبها بربح يذكر، وفي مباراة أدبية نظمها مجلس الفنون فازت مسرحية «يوم القديسة» وظفر بالجائزة الأولى عليها.
وقد أثارت هذه المسرحية ضجة في الأوساط الفنية، وانقسم النقاد بين محبذ ومعترض، ولكنها - على أية حال - كانت ذات طابع جديد، وموضوعها هو الموضوع الذي يستهوي هوايتنج دائما؛ تحطيم النفس أو إفناء الذات. هي قصة كاتب مسن ينتابه شعور بأن الناس يتآمرون على قتله في الخفاء وتنتهي بمماته، والحوار مشحون بالإشارات الأدبية والتلميحات الفلسفية، والحكاية معقدة فيها جانب من اللامعقول، ولكنها مثيرة متدفقة، تدفع المشاهد معها إذا لم يتوقف ليتساءل ما هو الهدف.
وكتب بعد ذلك مسرحية «نشيد المشاة» في عام 1954 وموضوعها كذلك إفناء الذات، وهي قصة قائد جيش يخير بين أن ينتحر أو يحاكم محاكمة علنية ويشهر به، ولما كان هذا القائد يشعر أنه ليس في الحياة ما يعيش من أجله أقدم على الانتحار، وفي هذه اللحظة تجذبه إليها فتاة حسناء، فتعيد إليه الرغبة في الحياة، فتردد في اختيار العيش مهما كلفه الثمن غاليا، وأراد أن يصل في ذلك إلى قرار حاسم، فغاص في أعماق نفسه يتبين ما تنطوي عليه من دوافع ومن اعتزاز، وعاد بذاكرته إلى ماضيه؛ فتذكر أنه كان يقاتل ذات معركة وكان لا بد له فيها أن يتخلل بدباباته مجموعة من الأطفال، فغلبت عليه إنسانيته وتخاذل في الهجوم فخسر المعركة وخسر شرفه الحربي، وكشفت له هذه الواقعة أن بكبريائه ثغرة، فآثر لنفسه الموت وانتحر وهو هادئ النفس مطمئن الضمير.
وقد نجحت المسرحية في تمثيلها، بالرغم من أن الحركة فيها باطنة، والعمل ليس مما يخرج عن نطاق الفرد، أي إنها على حد تعبيره «تتعارض مع المسرحة»، وهي - برغم امتيازها - فاترة لا حياة فيها. كما كانت مسرحية «يوم القديسة» مغرقة في الإشارات الأدبية والفلسفية كما ذكرنا، ومسرحية «ادفع بنسا لتسمع الأغنية» تعوزها الحوافز ودفعة الحياة برغم جدتها وسحرها الفاتن ... أي إن هذه المسرحيات كانت في كلمة موجزة: لا تسر إلا نفرا قليلا أعد إعدادا فنيا معينا ولا تكتسح الجمهور العادي الذي لم يدرب تدريبا فنيا خاصا.
فلما كان هوايتنج على المسرح إلى الإخفاق أقرب منه إلى النجاح، اختفى عن الأنظار سبعة أعوام، قضاها في كتابة الحوار للأفلام السينمائية، وكوميدية مريرة عنوانها «أبواب الصيف » طافت في الأقاليم ولم تبلغ العاصمة، وتمثيلية قصيرة قليلة الأثر قدمها للتليفزيون تحت عنوان «شاهد عيان»، ثم عاوده الحنين إلى المسرح فجرب قلمه من جديد في عام 1961 في كتابة مسرحية جديدة، وهي «الشياطين» هذه التي نحن بصددها، وقد استمد موضوعها من كتاب «شياطين لودان»، لأولدس هكسلي الكاتب الإنجليزي المعاصر المشهور.
وفي هذه المسرحية نلمس نفس الصفات التي تميزت بها مسرحية «نشيد المشاة»: مهارة فائقة في جمع المادة، وذكاء خارق في تحليلها، وتجديد في الاصطلاحات المسرحية، وتذوق رائع للحوار البليغ لا يخون المؤلف قط (كما خان برناردشو في موقف مشابه في «القديسة جون» حينما كان الموقف يتطلب اعترافا عاطفيا قويا حارا بالإيمان بالله يستند إلى الوجدان ولا يستند إلى الدليل العقلي كما فعل شو).
وموضوع هذه المسرحية - مرة أخرى - هو إفناء الذات، ومن ثم فقد وجد هوايتنج نفسه مضطرا إلى التحوير في أهمية شخصيات الكتاب الذي نقل عنه الموضوع، فأسند البطولة إلى قسيس في لودان، وهي مسندة إلى رئيسة راهبات الدير في كتاب هكسلي.
وأعجب الجمهور بمشاهدة المسرحية، وعدها النقاد تحفة فنية من تحف العصر الذي نعيش فيه واسترد بها الكاتب كرامته الأدبية.
وأخرج بعد ذلك مسرحية أخرى تحت عنوان «بغير سبب» وموضوعها أيضا إفناء الذات، إذ نشاهد فيها طفلا يقبل على الانتحار.
ومن المؤسف حقا أن هوايتنج الذي بشر بالمسرح الجديد في بريطانيا لم يعش طويلا ليعلو موجة انتصار الاتجاه الجديد. •••
نامعلوم صفحہ
على هذه الصورة كان المسرح في بريطانيا فيما بين عامي 1950 و1956 عندما ظهرت مسرحية «انظر إلى الوراء غاضبا» لأوزبورن، وكان التليفزيون منافسا قويا، والإذاعة تغني عن المسرح، وبخاصة ما يذاع في البرنامج الثالث الذي برز فيه هنري ريد وجايلز كوبر.
وكاد هواة المسرح أن يفقدوا الأمل في إحيائه حتى كان عام 1956، وكانت الثورة التي لا زلنا حتى اليوم في إثرها، والتي انتقل صداها إلى الجمهورية العربية المتحدة. •••
وأعود إلى مسرحية «الشياطين» فأقول إنها مسرحية تقوم على أساس تاريخي، وتعود في مناظرها إلى القرن السابع عشر، وما كان يسوده من معتقدات دينية وأنظمة سياسية.
تجري حوادثها في فرنسا حينما كان الملك لويس الثالث عشر يريد - بمشورة الكاردينال ريشيليو وبإيعاز منه - أن يبسط نفوذه كاملا على فرنسا كلها، فيدك حصون المقاطعات ويقضي على سلطة حكامها المحليين ليخضعوا جميعا لفرنسا الموحدة، وفي المسرحية مناظر كثيرة مما كان يثار حول هذه السياسة من جدل.
وهي تروي قصة قسيس عاش في ذلك القرن لا يطمئن إلى السائد من المعتقدات، فأخذ يبحث عن الله بكافة الوسائل بغية الاتصال به والاتحاد معه، وظن أول الأمر أن الاتصال بالله لا يكون إلا عن طريق محبة الناس، والمحبة أحر ما تكون بين الجنسين، فعاشر النسوة راهبات وغير راهبات واتصل ببعضهن اتصالا جنسيا مما لا يتفق والوظيفة الدينية التي يشغلها، واسترسل في الشهوات لا طمعا فيها ولكن تعبيرا بها عن شدة العطف والمحبة، أو كما يقول في بداية الفصل الثاني:
أملا في أن أصل إلى الله عن طريق مخلوق، الأمل في أن الطريق - التي يسير المرء فيها وحيدا فتكون طريق اليأس - يمكن أن تضاء بحب امرأة، ولقد آمنت بأنه يمكنني بهذا العمل اليسير الذي ألزمت به نفسي (يقصد اتصاله بفتاة)، والذي قمت به من كل قلبي، أن أصل إلى الله عن طريق السعادة.
الحب عنده لون من ألوان النشاط الإنساني التي يمارسها لهدف نهائي واحد هو صلته بالله.
كل أمور الدنيا لها غرض واحد لرجل مثلي، السياسة والسلطة، والحواس، والثراء، والفخر، والنفوذ، إنني أنتقي منها بنفس العناية التي تنتقي أنت بها يا سيدي (مخاطبا حاكم المدينة) سلاحك، ولكن هدفي مختلف، إنني أريد أن أصوبه إلى نفسي.
الله عنده يشمل كل شيء، استمع إليه يقول:
صورته (أي الله) من النور ومن الهواء، من تراب الطريق، من عرق يدي ومن القذارة، ومن ذكرى وجوه النساء، من الأنهار العظيمة، من الأطفال، من عمل الإنسان، من الماضي، من الحاضر، من المستقبل، ومن المجهول، صورته من الخوف ومن اليأس، وجمعت كل شيء من هذا العمل العظيم، كل ما عرفت، وما رأيت، ومارست، ذنوبي ، ومزاعمي، وغروري ، ومحبتي، وكراهيتي وشهوتي، وأخيرا وهبت نفسي، وهكذا صورت الله لنفسي، وكان عظيما لأنه كل هذه الأشياء.
نامعلوم صفحہ
والإنسان يذنب والله يعفو. وهذه هي الحكمة في وجود خالق ومخلوق.
أنا ابنه، هذا حق، وليقبلني كما أنا، وإذن فهناك مغزى، هناك مغزى على أية حال، أنا رجل مذنب ومن الممكن قبولي، لست لا شيء متجها نحو لا شيء، إنما هو ذنب يتجه نحو العفو، إنه مخلوق بشري يتجه نحو المحبة.
وليذكر القارئ أن الإنسان الساذج الذي يحيا حياة طبيعية لا يرى في الاتصال بالجنس الآخر إثما، تقول فيليب الفتاة التي غرر بها وقادها إلى الفسق معه:
إنني فتاة ساذجة، أرى العالم وأرى نفسي كما تعلمت، أنا ممعنة في الإثم ولكن حب الله لم يتخل عني، يقول الناس إن من يكون في مثل موقفنا عليه أن يقابل ربه، وأعتقد في صدق ذلك، ولن أخشى أن أبوح بما في نفسي لله وأنت بجانبي (تخاطب جراندير القسيس)، حتى في حالة ارتكابنا الخطيئة، لأني اعتقد أن الله طيب، حكيم، رءوف دائما.
غير أن السلطات الحاكمة في فرنسا في ذلك الحين ورجال الدين المعتقدين في الله اعتقادا سطحيا أساءوا فهم الرجل، فقدموه إلى المحاكمة، وطلبوا إليه أن يعترف بما اقترف من آثام، فأصر على الإنكار وصدر فيه الحكم بالموت حرقا، وفي أثناء المحاكمة تتمثل لنا في صورة قوية شخصية الرجل المؤمن في عناد المدرب على التفكير المستقيم.
ونشهد في المسرحية منظرا مؤثرا جدا من صلابة الرجل وإصراره على عدم الاعتراف بالذنب ورفضه التوقيع على وثيقة الاتهام.
وأخيرا ينفذ فيه حكم الإحراق ويتبدد جسمه وتتناثر أشلاؤه في الهواء شذر مذر، ويتهافت الناس على بقايا من الجسم المخترق يحتفظون بها للتبرك، وهكذا يموت الرجل شهيدا في سبيل الله.
ويسأل عامل من عمال المجاري رئيسة الراهبات التي كانت تهذي بجراندير في حياته وتكبت في نفسها رغبة عارمة في الاتصال به، يسألها متهكما وقد أمسك في يده بعظمة محترقة: هل تريدينها لأمر ما؟
فتهز رأسها، وتصيح: جراندير ... جراندير ... (وهو اسم القسيس) في نهاية المسرحية.
ويصور الكاتب العقيدة في الخرافة التي كانت شائعة في القرن السابع عشر حتى بين الكهان ورجال الدين؛ لكي يرسم لنا للقداسة صورة ليست مطهرة كل التطهير، وفي يأس من صلاح الدنيا حتى بعدما يبذل في سبيل ذلك من تضحيات وأرواح، يقول الكاتب على لسان أحد الأساقفة بعد إحراق جراندير:
نامعلوم صفحہ
نعم لقد قهرنا الشيطان، وبسطنا السلام في هذا المكان، ولكن ثق أنه حتى في هذه اللحظة يعود متسللا، آه، يا أصدقائي الأعزاء إن أمثالنا من الرجال لن يتبطل عن العمل قط (وقصد بالعمل إخراج الشياطين من المتلبسين بها).
ذلك لأن الاتصال بين الرجل والمرأة أمر طبيعي، ولا يمكن أن يزول من الأذهان مهما تصوف الرجل أو ترهبت المرأة.
يجب أن نفهم مسرحية «الشيطانين» إذن على أنها قصة رجل من رجال الدين، اسمه جراندير يبحث عن الله، بالمحبة، وبالفكر، وبالاستشهاد.
ومن سخرية الدنيا أن نرى في هذه المسرحية هذا الرجل - بعدما أدرك أن الله موجود في كل الوجود، وبعدما زالت من نفسه الشكوك وتبددت الأوهام - مقبلا على الكنيسة يصلي فيها ويتعبد، وإذا برجال الحكم ورجال الدين الذين لا يعرفون الدين على حقيقته يمنعونه من دخولها ويحرمون عليه ارتياد بيوت الله.
و«الشياطين» عنوان صادق للمسرحية؛ لأن المسيحيين في القرن السابع عشر في أوروبا لم يكونوا يعتقدون أنها مبعث الشر فحسب، بل يؤمنون بأنها تدخل فعلا في النفوس، وتستقر في البواطن، ويمكن بطقوس دينية معينة وبشيء من التعذيب إخراج هذه الشياطين من نفوس المتلبسين بها ...
والشيطان يخرج من أي عضو من أعضاء جسم المتلبس به، فيتطهر، يخرج من عينه، أو من كتفه، أو من ضلعه، ويتكلم عن لسانه، وأكثر ما تتم طقوس الإخراج باللاتينية، وذلك من واجبات رجال الدين.
وفي المسرحية شخصيتان بارزتان؛ أما الأولى: فهي شخصية القسيس جراندير، وهو في هذه المسرحية بطل القصة، وأما الثانية: فهي شخصية الأم جان ديزانج رئيسة الدير، التي كانت تكن في صدرها حبا مكبوتا للرجل، وإعجابا به، ولكم قاست من آلام نفسية مبرحة بسبب الشهوة المكبوتة، وقد أرادت أن تنفس عما يضطرم في نفسها فعرضت على الرجل أن يكون مديرا لديرها، ولكنه تأبى نظرا لكثرة ما لديه من أعمال أخرى، وهي لا تكاد تتحدث في موضوع إلا ورد ذكر اسمه على لسانها، تهذي به في صحوتها وفي غفلتها، إذا تحدثت بصوتها، أو تحدث الشيطان على لسانها: جراندير ... جراندير ... جراندير ...
ويرى أحد النقاد أن هوايتنج أخطأ في اختيار جراندير بطلا للمسرحية إذ إن هذه الراهبة كانت أشد منه معاناة وأكثر مكابدة، كما يرى أن تصوير الكاتب لنزعات الراهبات فيه مبالغة في التبسيط، فهو يعرضهن نساء مخادعات، متلبسات بنزعات الشيطان، ميالات إلى الفسق والفجور عن وعي وإدراك، في حين أنهن في الأصل مصابات بالنورستانيا وخداع النفس. وإذن فالصورة التي يرسمها الكاتب لهن لا تتفق والواقع التاريخي، ولعل هذا التحوير في رسم الشخصيات يجعل الموضوع أقل تشويقا منه في حقيقة الأمر.
ولما كشف أمر جان ديزانج اتخذ معها الأساقفة مختلف الوسائل لإخراج الشياطين الكامنة في نفسها، والتي تستأثر بتفكيرها حتى أثناء أدائها للصلاة، وكثيرا ما صور لها الوهم أنها في أحضان جراندير ترتكب معه الفاحشة، فأفقدتها هذه الأوهام طهارتها:
إنه في باطني هنا، كالطفل، إنه لم يكشف لي قط أي نوع من أنواع الرجال هو، عرفته جميلا، وقال الكثيرون عنه إنه بارع، وقال كثيرون آخرون إنه شرير، ولكن برغم كل قسوته على روحي وبدني لم يأت إلي قط بغير المحبة، كلا، دعني أعبر عما في نفسي، أقول إنه في باطني، أنا في قبضة الشيطان، ولكنه ساكن، يرقد تحت قلبي، ويعيش في أنفاسي وفي دمي، وهو يخيفني، أخاف أن أكون قد ارتكبت أجسم الأخطاء في هذا الأمر.
نامعلوم صفحہ
وفي براعة فائقة يصور الكاتب هذه الأوهام، حتى إنها لتختلط بالحقيقة، ويكاد القارئ ألا يلمس فارقا بين الواقع والخيال أو بين الوهم والحقيقة، وبالفعل كانت الكنيسة في تلك الأيام تحاسب الناس - والرهبان والراهبات منهم خاصة - لا على أفعالهم فحسب، ولكن على ما يدور بخلدهم كذلك، على نواياهم، وما تعتلج به نفوسهم ، حتى إذا لم يخرج عملا ملموسا.
وتصور الأم جان إغراء الشيطان لها وامتزاج الخيال بالواقع حينما تقول:
تصور معبدنا الصغير، على بساطته وخلوه من الزينة، لقد كان في تلك الليلة مكانا للترف والحرارة المعطرة. دعني أخبركم، لقد امتلأ بالضحك والموسيقى، وكان فيه المخمل، والحرير، والمعادن، وخشب أرضه لم يكن ممسوحا، لم يكن البتة نظيفا. نعم، وكان هناك طعام لحم حيوان عظيم، ونبيذ ثقيل، كفاكهة الشرق، وكنت قرأت عن كل ذلك وقد أتخمنا أنفسنا إلى درجة قصوى. ...
لقد نسيت، كنا في أزياء جميلة، وكان ردائي علي كأنه جزء من جسدي، وأخيرا لما تعريت وقعت بين الأشواك. نعم، كانت الأشواك منتشرة فوق الأرض، ووقعت بينها ... ...
وهكذا قهرنا الله من عقر داره، وفر مفزوعا من الإحساسات التي أودعتها في الرجال يد أخرى، ولما تحررنا منه احتفلنا برحيله مرة بعد أخرى ... إن الله - بالنسبة إلى شخص ... عرفت ما عرفت - قد انتهى، وقد وجدت راحة النفس.
ومن عجب أن كبار الأساقفة كانوا يحبون أن تبقى العقيدة في التلبس بالشياطين ثابتة قوية لا تتزعزع؛ لأن ذلك يجعل لهم بين الناس ضرورة وأهمية، فهم الذين يستطيعون بطقوسهم وصلواتهم ودعواتهم أن يطردوها.
أما إذا كان الفسق حقيقة واقعة، وليس وهما من أوهام الشيطان، فإنه يعد جريمة يعاقب عليها القانون، فيكون النفوذ لرجال الشرطة ورجال القضاء، ويضعف سلطان رجال الدين، ومن ثم كان ذلك التنافر بين رجال الدين ورجال الحكم، بين الكنيسة والدولة.
وكما تصور المسرحية شكوك الناس في حكم القانون المدني، تصور كذلك ارتيابهم في العلم والطب؛ إذ إن حياة الإنسان لا تحكم بقوانين الطبيعة، بالعقل المنظم، إنما تحكمها الشياطين والأرواح واللاعقل، والشيطان سلطان الشر في هذه الدنيا.
وفي سخرية بالغة يرسم الكاتب صورة لتأثير الوهم في عقائد الناس، فبينما كان أحد الأساقفة يقوم بإخراج الشيطان من جسد الأم جان، أراد مندوب الملك الذي كان يشهد المنظر أن يهزأ من الأسقف، فقدم إليه قارورة زعم أن بها دم المسيح، وإذا مس بها جبين الراهبة رحلت عنها الشياطين، ولما نفذ الأسقف ما أشار به مندوب الملك، صاحت الراهبة معلنة الخلاص من لبس الشيطان، فلم يعجب لذلك الأسقف؛ لأن دم المسيح لا بد أن يأتي بالمعجزات، وإذا بمندوب الملك يفتح القارورة ويظهر للأسقف أنها فارغة، وليس الأمر إلا وهما من الأوهام.
والمسرحية في جملتها مصاغة في لغة شعرية، تعج بالكناية، وبالرمز، وبالخيال الرائع، وبالتصوير القوي لحقائق الأمور وخفاياها.
نامعلوم صفحہ
ومن أمثلة ذلك ما نراه عندما جاء مندوب الملك إلى حاكم المدينة يطلب إليه أن يدك حصونها إعلانا لخضوعه لملك البلاد، فلما انصرف المندوب قال الحاكم:
الحاكم :
انظر إليه يا جراندير.
جراندير :
رجل صغير الحجم يثير مرآه الضحك.
الحاكم :
إننا جميعا يا صديقي العزيز خياليون، إننا نتصور أن الذي يغير حياتنا رسول مجنح يمتطي جوادا أسود، ولكنه في أكثر الأحيان رجل رث، صغير الحجم، يتعثر في الطريق ...
ونستطيع من زاوية أخرى أن نقول إن هذه المسرحية تعالج مشكلة الحياة الخاصة للإنسان، هل يستطيع المرء أن يحيا حياته الخاصة، غير متأثر بالبيئة الاجتماعية التي يضطرب فيها؟
لكم يتمنى الإنسان ذلك، لكن هيهات، فالإنسان حيوان سياسي كما قال أرسطو، بمعنى أنه إنسان اجتماعي، لا يمكنه أن ينعزل وينفرد في حياته.
ولقد زادت هذه الظاهرة في العصر الحاضر بزيادة الاتصال بين أطراف العالم، فإن ما يجري في كوبا أو في برلين أو فيتنام يؤثر في حياة كل فرد في أي صقع من أصقاع العالم.
نامعلوم صفحہ
كانت الأديبة الإنجليزية جين أوستن تكتب قصصا تصور فيها حياة الناس الخاصة أيام حروب نابليون دون ذكر لهذه الحروب، وكأنها عديمة الأثر في حياة الأفراد بالرغم من اشتراك الإنجليز في معركة واترلو، وفي وقت كان الغزو يهدد إنجلترا في عام 1745 نجد روائيا مثل فيلدنج يكتب قصة وكأن البلاد في أمن وسلام.
هل نستطيع ذلك اليوم؟ هل يستطيع الكاتب في الحاضر أن يتجاهل ما يجري في كل ركن من أركان الدنيا؟
هذه هي مشكلة جراندير بطل مسرحية «الشياطين»، فهو في قبضة قوة أعظم منه وأقدر، الحياة الخاصة إذا مستحيلة برغم شغف كل منا بها.
إن جراندير راعي كنيسة القديس بطرس في لودان في صراع لا مع الدولة ولكن مع الكنيسة ذاتها، كيف يفر من أحكامها وعقائدها؟ في شخص هذا الرجل شهوة وهستريا ورغبة في الخلاص، فهل تمكن من التعبير عن نفسه؟ كلا، فقد طاردته الكنيسة حتى حكم عليه بالموت حرقا.
وبرغم التنقل السريع في المسرحية من مشهد إلى مشهد، وسرعة تغيير الأشخاص على خشبة المسرح، فإن المشاهد لا يسعه إلا أن يلحظ تقدما في الموضوع، واتصالا بين الأجزاء يكون في النهاية صورة قوية ينطبع بها الذهن ولا يمكن أن تزول.
وتكاد المسرحية أن تكون أعجوبة في تسلسل حوادثها ومشاهدها، وكأنها قطعة فنية من الموزايكو، مهندسة في تركيبها، أو كأنها صورة حية تعرض على خشبة المسرح، وتتخللها نظرات عميقة في نوازع الإنسان الخفية ونواياه.
لقد أدى ضغط المجتمع بجراندير إلى الموت، ولعل كاتب المسرحية يريد أن ينبهنا إلى شدة هذا الضغط لعلنا أن نخفف منه بعض الشيء فنحقق لأنفسنا جانبا من السعادة. •••
وظاهر من مجري حوادث المسرحية أن الكاتب يائس من خلاص الإنسان من ورطته، وليس له من سبيل إلا أن يقضي على نفسه بنفسه، ليس من سبيل إلى الخلاص غير الموت والفناء.
جراندير : ... السياسة والسلطة والحواس والثراء والفخر والنفوذ ... أسلحة ... أريد أن أصوبها إلى نفسي.
الحاكم :
نامعلوم صفحہ
لكي تجهز على نفسك؟
جراندير :
فإني في حاجة شديدة إلى الاتحاد بالله، إن العيش قد اعتصر مني الحاجة إلى الحياة، وقد آلت قدرة الحواس عندي إلى الإنهاك المطلق، إنما أنا رجل ميت مرغم على العيش ...
الحاكم :
لست ممن يجادلون بسفسطة ولكن قل لي، إنني أرى أن القضاء على النفس بشكل قاطع ظاهر ليس من الأمور المحللة، ولكن أليس خلق ظروف موتك - وهو ما تفعل أنت فيما يبدو - كذلك من الإثم؟
جراندير :
اترك لي شيئا من الأمل.
وفي موضع آخر تقول جان: ... الإنسان مخلوق عجيب، يدعو إلى السخرية، وربما لم يخلق إلا من أجل ذلك، شامخ برأسه، منتش بعمله، مما يدعو إلى الاستخفاف به، مستغرق في اختراع معبودات زائفة يبرر بها وجوده، فيصم أذنيه عن الضحك، لا يرى بعينيه إلا نفسه، فهو أعمى عن شارات السخرية التي يلوح بها في وجهه، وهكذا يسير مخمورا، أعمى وأصم، خير موضوع للتفكه العملي.
وهنا يا أخواتي يجد الأبناء التعسين من أمثالي مجالا لأداء أدوارهم. إننا لا نسخر من أبينا المحبوب في السماء. إننا نحتفظ بضحكاتنا نوجهها إلى أبنائه التعسين المذنبين الذين يرتفعون عن مستواهم، ويعتقدون أن لهم هدفا آخر في هذه الدنيا غير الموت.
بعد أوهام السلطة تأتي أوهام الحب، عندما يعجز الإنسان عن التحطيم يبدأ في العقيدة بأنه يستطيع الخلاص بالتسلل إلى زميل له في الإنسانية، وهكذا يخلد نفسه، إنه لا يفتأ يكرر قوله: أحبني، أحبني، أعزني، احمني، أنقذني. إنه يقول ذلك لزوجته، وعاهراته وأطفاله، وبعضهم يقول ذلك للجنس البشري كله، ولا يقولون ذلك لله قط، وربما كان هؤلاء أشد من يدعو إلى السخرية، وأكثر من يستحق الازدراء؛ لأنهم لا يدركون مجد الفناء، هدف الإنسان: العزلة والموت ...
نامعلوم صفحہ
إذن فالفناء عند الكاتب هو طريق الخلاص، ومن ثم فقد لقي القسيس جراندير حتفه شهيدا في سبيل الله لكي يتحرر من مأساة الحياة! •••
ولا يفوتني في ختام هذه المقدمة أن أقدم جزيل الشكر للسيد الدكتور محمد محمود السلاموني، رئيس قسم الدراسات الأوروبية القديمة وآدابها بكلية الآداب بجامعة القاهرة، على معاونته لي في نقل ما ورد في المسرحية من نصوص لاتينية أثبتها في الهوامش؛ لكي يدرك القارئ فحواها، وإن كنت أنصح عند التمثيل أن يلقي الممثلون العبارات اللاتينية بنصها الأصلي؛ لأنها في الأغلب تعاويذ درج الرهبان على تلاوتها باللاتينية ليكون سحرها أفعل وأثرها أوقع.
والله ولي التوفيق.
أشخاص المسرحية
مانوري
جراح
Mannoury
آدم
صيدلي
Adam
نامعلوم صفحہ
لويس ترنسانت
النائب العام
Louis Trincant
فيليب ترنسانت
Trincant
جان دارمنياك
حاكم لودان
Jean D’Armagnac
دي سيريزاي
كبير القضاة
نامعلوم صفحہ
De Cerisay
عامل المجاري
A Sewerman
أربان جراندير
راعي كنيسة القديس بطرس
Urban Grandier
نينون
أرملة
Ninon
دي لارشبوزاي
نامعلوم صفحہ
أسقف بواتييه
De La Rochepozay
الأب رانجير
Father Rangler
الأب باري
Father Barré
الأخت جان ديزانج
رئيسة دير القديسة أرسولا
Sister Jeanne of the Angels
الأخت كلير
نامعلوم صفحہ
Sister Claire
الأخت لويز
Sister Louise
دي لوباردمنت
مندوب الملك الخاص في لودان
De Laubardmont
الأب منيون
Father Mignon
الأخت جبرائيل
Sister Gabrielle
نامعلوم صفحہ
الأمير هنري دي كندي
Cond
ريشيليو
Richelieu
لويس الثالث عشر
ملك فرنسا
Louis XIII
بنتان
السجان
Bontemps
نامعلوم صفحہ
الأب أمبروز
Father Ambrose
كاتب
A Clerk
أهل المدينة، وقوم من الريف، ورهبان الفرنسيسكان، ورهبان الكرمل، والجزويت، والجند. •••
تقع حوادث المسرحية في مدينة لودان وقريبا منها، وقليل منها في باريس، فيما بين عامي 1623 و1634.
الفصل الأول
المنظر:
طرقات لودان.
والوقت:
نامعلوم صفحہ
بالنهار. (وترى جثة مدلاة من مقصلة البلدية.) (وعن كثب عامل من عمال المجاري يعمل في مجرى ضحل.) (والناس يقبلون من كنيسة القديس بطرس، ومن بينهم آدم الصيدلي ومانوري الجراح.)
مانوري :
هلا رافقتني؟
آدم :
بكل ترحيب.
مانوري :
لا تغمزني في ذراعي، إنما كان يتكلم كأنه إله.
آدم :
هل تعني جراندير؟
مانوري :
نامعلوم صفحہ