ويلتفت فايز إلى طلعت: كنا نلعب أمام الجامع.
وتنداح الكلمات في وسيع الفضاء ولا يسمع حافظ شيئا، كان عتريس هنا، وقد حدد يوم الخميس، واليوم يوم الأحد، أيستطيع هذا البك أن يفعل شيئا؟ لو طلبت إليه أن يفعل شيئا لأنزل بي عتريس الويل الآخذ ولأصبحت من غدي بلا ابنة ولا زوجة ولا أرض ولا وجود، وماذا بيد هذا الرجل أن يفعل؟! إن عتريس يملك السلاح ويملك الليل الأسود ويملك الاختفاء حين يشاء، أي قوة في الأرض تستطيع أن تفعل شيئا أمام النفس المجرمة؟! الإجرام لا يرده شيء إلا الإجرام نفسه، وهذا البك لا يعرف الإجرام، ماذا أقول له ... وصحا حافظ من ذهوله على صوت فايز وهو يقول له: أنسيت هذا اليوم يا حافظ؟ هل نسيت؟ - نعم، أنسى؟ وهل يمكن أن أنسى؟ - وجاءت فؤادة بالقهوة وقال فايز: أهلا فؤادة، كيف أنت؟ - أهلا بك يا سعادة البك. - لماذا لا تقولين يا عمي، أنا أحب أن تقولي يا عمي. - أمرك يا عمي.
وأخذ فايز فنجانه ثم قدمت فنجانا إلى طلعت، وتمت بينهما المصافحة بنظرة وفي النظرة فهم كل منهما ما يريد أن يقول للآخر.
وخرجت فؤادة وقال فايز: حافظ لقد جئتك اليوم لأتم أسعد شيء في حياتي. - مرحبا بك في بيتك يا فايز بك. - أريد أن أخطب ابنتك فؤادة لابني طلعت. - ماذا؟ - إنها أمله منذ زمن بعيد.
وصمت حافظ بعض الحين ثم قال: أتدري أي أمل ضخم تقدمه لي يا فايز بك. - أنا أدري أننا صديقان منذ الطفولة؟ - ماذا تظن بي إذا أنا رفضت؟ مرغما يا فايز بك. - ترفض؟ - مرغما يا فايز بك. - ماذا تقول؟ - وأرجوك، أرجوك، لمصلحتك أنت ولمصلحة طلعت ألا يعرف أحد أنك طلبت مني هذا الطلب. - ماذا بك يا حافظ؟ - كل ما أرجوه منك ألا تقول إنك خطبت فؤادة لطلعت وستعرف كل شيء في حينه، أنا لا أريد أن أحملك الهم الذي أحمله.
ودون أن يحس وجد طلعت نفسه يقول: إنها زوجتي منذ زمن طويل.
والتفت إليه حافظ مذعورا: ماذا قلت؟
ودون أن يلتفت إليه طلعت قال: إنها زوجتي منذ نحن أطفال في الملعب، هناك في ساحة البيت كنت أحس أنها جزء مني أو أنني جزء منها وأننا لن يفصلنا شيء في الوجود، وكبرنا وكبر معي هذا الشعور فأصبحت الحياة التي أحياها هي حياتها وأصبحت الخفقات التي يدقها قلبي هي خفقاتها، وأصبحت هي الهواء الذي أنشقه والدماء التي تمضي في جسمي والآمال التي أبقيها لغدي والذكريات التي أحفظها من أمسي، فماذا يمكن أن يحول بيننا؟
وقال فايز: هناك سر كبير تخفيه يا حافظ. - كبير بقد المصيبة التي يحملها هذا السر، هو سري أنا فدعني أشقى به وحدي. - فلست صديقك إذا. - بل لأنك صديقي أريدك أن تظل بعيدا عن هذا السر. - لا أشعر بالرجولة إذا سمحت لنفسي أن أظل بعيدا عن سر يحمل المصيبة لك. - لو كنت أعتقد أن علمك به سيخفف منه لبحت به لك، ولكن لا فائدة.
ويقول طلعت وكأنه يتكلم من مكان آخر: أيا كان الأمر فسأتزوج من فؤادة.
نامعلوم صفحہ