وأجابت المعتزلة عن المعقول بأن عند اجتماع القدرتين يقع مراد الله تعالى دون مراد العبد، ولا نسلم أن القدرتين متساويتان في الاستقلال بالتأثير في ذلك المقدور، بل هما متفاوتتان في القوة والضعف، ولذلك يقدر قادر على حركة مسافة في مدة لا يقدر قادر آخر عليها في تلك المدة، ولو كانت القدر متساوية لكانت المقدورات متساوية، وليس كذلك.
وعن المنقول بالمعارضة بالآيات التي أضافت الأفعال إلى العباد وعلقتها بمشيئتهم، كقوله تعالى: ?فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم? [البقرة: 79]، ?إن يتبعون إلا الظن? [الأنعام: 116]، ?حتى يغيروا ما بأنفسهم? [الأنفال: 53، الرعد: 11]، ?بل سولت لكم أنفسكم أمرا? [يوسف: 18 و83]، ?فطوعت له نفسه? [المائدة: 30]، ?كل امرئ بما كسب رهين? [الطور: 21]، ?فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر? [الكهف: 29]، ?اعملوا ما شئتم? [فصلت: 40]، ?فمن شاء ذكره? [عبس: 12]، ?لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر? [المدثر: 37].
واستدلوا على مدعاهم بالمعقول قالوا: لو لم يكن العبد مختارا لقبح تكليفه، لأنه حينئذ تكون أفعاله جارية مجرى أفعال الجمادات، واللازم باطل باتفاق العقلاء على أن التكليف ليس بقبيح.
وأجابت الجبرية بأن ما ذكرتم مشترك الإلزام لوجهين:
الأول: أن الفعل المأمور به عند استواء داعي الفعل وداعي الترك وعند مرجوحيته ممتنع، وعند رجحان الداعي واجب، فيكون الفعل إما ممتنعا وإما واجبا، فلا يكون مقدور العبد، فيقبح التكليف به.
والثاني: أن الفعل المأمور به إن علم الله وقوعه وجب وقوعه، وإن علم عدم وقوعه امتنع وقوعه، فلا يكون مقدورا للعبد، فيقبح التكليف به.
صفحہ 95