وإذا عرف هذا فالجبرية قالوا: لا قدرة للعبد على الاختراع لما تبين، فكان الله مخترعها ضرورة. وقالت المعتزلة: قدرة العبد على الأفعال ثابتة ضرورة الأمر بها بقوله: ?وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة? [البقرة: 43] وغيرهما، والأمر للعاجز محال، فانتفت قدرة الباري عنها ضرورة.
ثم احتج كل واحد من الفريقين على ما ادعاه بالمعقول والمنقول، وأجاب عما ادعاه الآخر، فقال الأولون: الأول: لو كان الفعل باختيار العبد وقدرته، فإذا اختار العبد وأراد ما يناقض مراد الله تعالى، بأن أراد العبد تسكين جسم أراد الله تحريكه، فإما أن يقع مرادهما، فيلزم جمع النقيضين، أو لم يقع مراد واحد منهما فيلزم رفع النقيضين، أو يقع مراد أحدهما دون الآخر، فيلزم الترجيح بلا مرجح، لأن قدرته تعالى وإن كانت أعم من قدرة العبد لكنهما بالنسبة إلى هذا المقدور متساويتان في الاستقلال بالتأثير في ذلك المقدور الواحد، والشيء الواحد وحدة حقيقية لا يقبل التفاوت ، فإن القدرتين بالنسبة إلى اقتضاء وجود هذا المقدور على السوية، إنما التفاوت في أمور خارجة عن هذا المعنى، وإذا كان كذلك امتنع الترجيح.
وأما الثاني فنحو قوله تعالى: ?الله خالق كل شيء? [الرعد: 16]، وأفعال العباد شيء، فيكون الله خالقها، وقوله تعالى: ?والله خلقكم وما تعملون? [الصافات: 96]، وقوله تعالى: ?من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم? [الأنعام: 39]، وأمثال ذلك كثيرة.
صفحہ 94