فإن قيل : كيف يصح رد ذلك إلى الكلام ، والكلام عندنا كسائر الأجسام في أنا لا نقدر عليه؟ قلنا : إنا نعلم ضرورة أن الكاذب يستحق الذم والملامة من جهته على كذبه ، فلو لا أنه وقع من جهته ومتعلق به وإلا لم يجز ذلك ، فصح ما قلناه.
دليل آخر ، وهو أن أحدنا لو قدر على أن يجعل الجسم مجتمعا من دون معنى قدر على أن يجعله على سائر صفاته التي يكون عليها بالفاعلين ، نحو كونه أسود وأبيض وأحمر وحلوا ومرا وغير ذلك ، كما في الكلام فإنه لما كان قادرا على أن يجعله أمرا ونهيا ، قدر أن يجعله على سائر أوصافه ، نحو كونه خبرا واستخبارا أو عرضا ويمينا وجحدا ونفيا وإثباتا إلى غير ذلك ، والمعلوم خلافه.
دليل آخر ، وهو أنه لو كان كذلك ، لوجب في كون أحدنا عالما أن يتعلق بالفاعل لأن هاتين الصفتين مستحقتان على حد واحد ، والصفتان متى استحقتا حد واحد ، كان المؤثر فيهما من باب واحد.
فإن قال : هكذا نقول فدلوا على خلافه ، قلنا : لو كان كون أحدنا عالما متعلقا بالفاعل ، لوجب أن لا يجد الواحد منا هذه الصفة كأنها من ناحية صدره ، لأن الفاعل إنما يفعل الجملة على هذه الصفة لا البعض.
دليل آخر ، وهو أنه لو كان كذلك ، لوجب أن لا يتأتى من أحدنا الجمع بين الجسمين في حالة البقاء ، لأن ما يتعلق بالفاعل يتبع حالة الحدوث ، كما في الكلام فإنه لما تعلقت أوصافه بالفاعل تبع حالة الحدوث حتى لم يجز خلافه.
دليل آخر ، وهو أنه لو كان كذلك ، لوجب أن يتأتى من الواحد منا إيقاف الجسم الثقيل في الجو دون قرار ولا علاقة بأن لا يجعله متحركا ، والمعلوم خلافه ، فليس إلا أن يكون الجسم مجتمعا مما لا تعلق له بالفاعل.
** لم لا يكون اجتماع الجسم لعدم معنى؟
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون الجسم مجتمعا لعدم معنى؟ قلنا : لأن المعنى المقدور لا اختصاص له ببعض الأجسام دون بعض ، فكان يجب أن تكون الأجسام كلها مجتمعة لعدم ذلك المعنى ، وأن لا يكون شيئا مفترقا البتة ، وقد عرفه خلافه.
وبعد ، فإن كون الجسم مجتمعا موقوف على قصدنا ودواعينا نفيا وإثباتا فيجب أن يكون لأحوالنا فيه تأثير. ولا يخلو أن يكون تأثيره في نفس الصفة أو فيما يؤثر فيه.
صفحہ 60