الانتفاع بها ، فيجب أن تكون أول نعمة على ما ذكرناه.
** الرد على من يقول : إن أول النعم هي الجملة التي يصير بها الحي حيا.
فإن قيل : هلا كانت الجملة التي لا يصير الحي حيا إلا بها أول نعمة أنعم الله تعالى بها علينا ، فإن الحياة مترتبة في الوجود عليها ، قلنا : إن الجملة مما لا تأثير لها في صحة الانتفاع بها ، وإنما الحياة هي التي تؤثر في ذلك. وأيضا فإن النعمة لا بد من تميزها من المنعم عليه ، وهذه الجملة هي نفس المنعم عليها ، فلا يجوز أن تكون نعمة ، فضلا عن أن تكون أول نعمة.
** الرد على من يقول : إن الشهوة أول النعم
فإن قيل : أو ليس المنافع مترتبة على الشهوة حتى لولاها لما صح الانتفاع البتة ، قلنا : إنه وإن كان كذلك ، إلا أن الشهوة تترتب على الحياة في الوجود ، حتى لو لا الحياة لما صح وجودها ، فلذلك قلنا إن الحياة أول نعمة.
ثم تكلم رحمه الله في المنافع التي خلقها الله تعالى للحي ليعرضه لها.
وجملة القول في ذلك ، أن المنافع التي خلقها الله تعالى للحي ليعرضه لها ثلاث : التفضل ، وهو النفع الذي لفاعله أن يوصله إلى الغير وله أن لا يوصله ؛ والعوض ، وهو النفع المستحق لا على سبيل التعظيم والإجلال والثواب ، وهو النفع المستحق على سبيل الإجلال والتعظيم.
** المنافع مستحقة أو غير مستحقة
ولك أن تورد هذه القسمة على وجه يتردد بين النفي والإثبات وتتضمن معاني هذه الألفاظ فتقول : إن المنافع الواصلة إلى الغير إما أن تكون مستحقة أو لا ، فإن لم تكن مستحقة فهو التفضل ، وإلا إن كانت مستحقة فلا يخلو ؛ إما أن تكون مستحقة لا على سبيل التعظيم والإجلال فهو العوض ، وإن كانت مستحقة على سبيل الإجلال والتعظيم فهو الثواب. وأما التفضل فما من حي خلقه الله تعالى إلا وقد تفضل عليه وأحسن إليه بضروب المنافع والإحسان ، والعوض يوصله الله تعالى إلى المكلف وغير المكلف ، وأما الثواب فما لاحظ فيه لغير المكلف ، والمكلف مختص باستحقاقه ، فعلى هذا يجري الكلام في هذا الفصل.
صفحہ 48