** أول نعم الله علينا
فقد عاد رحمه الله تعالى إلى ذلك ، فيقول : إن أول نعمة أنعم الله تعالى بها على الحي خلقه إياه حيا لينفعه بذلك. واعتبرنا خلقه إياه حيا لينفعه لأنه لو لم يخلقه لم يكن منعما عليه كما في المعدوم ، ولو خلقه غير حي لم يكن منعما عليه أيضا كما في الجمادات ، ولو خلقه حيا لا لينفعه بل ليضره لم يكن منعما عليه أيضا كما في الكفار والفساق إذا أعادهم للنار فإنه لا يكون منعما عليهم وأن خلقهم أحياء ، لما لم يخلقهم لينفعهم بل ليضرهم ، فلا بد من اعتبار هذه الوجوه الثلاثة : الخلق ، والحياة ، وأن يكون غرضه به نفعه.
ولهذا قلنا : إن المجبرة مع تمسكهم بالجبر لا يمكنهم أن يعرفوا أن لله تعالى نعمة على أحد ، لا نعمة الدنيا ، ولا نعمة الدين ، لتجويزهم أن يكون الله تعالى خلق الخلق لا لغرض أصلا ، لا لمنفعة ولا لمضرة ، بل خلقهم عبثا ، تعالى عن ذلك. وهذا يوجب عليهم أن لا يعرفوا الله تعالى إلها تحق له العبادة ، لأن العبادة هي النهاية في الخشوع ، والغاية في الشكر ، والشكر إنما يستحق على النعمة ، فإذا لم يمكن القوم أن يعرفوا كونه منعما أصلا ، كيف يمكنهم معرفة إلهيته واستحقاقه للعبادة ، التي هي النهاية في الشكر.
وهذا كله عارض في الكلام.
والغرض المقصود هو أن الحياة أولى نعمة أنعم الله تعالى بها على الحي. والدليل على أن الحياة نعمة ، هو أنها مصححة للانتفاع بها ، حتى لا يصح التنعم إلا بها ، وإلا لأجلها ، فيجب أن تكون نعمة ، والنعمة قد تكون نعمه وإن لم تكن نفعا بنفسها إذا كانت مؤدية إلى المنفعة أو مصححة لها على ما قد بيناه.
فإن قيل : ليس بأن يدل تصحيحها للانتفاع على كونها نعمة ، أولى من أن يدل تصحيحها للاستضرار على كونها نقمة ، فكيف جعلتموها نعمة والحال هذه؟ قيل له : ليس كذلك ، لأن هاهنا مخصصا يخصصها بأحد الوصفين دون الآخر ، وهو قصد الله تعالى بها النفع وو لهذا قلنا إن الله تعالى لما لم يقصد بخلق الحياة في الكفار والفساق إذا أعادهم للنار نفعهم لم يكن منعما عليهم.
وإذ قد عرفت أن الحياة من النعم ، فالذي يدل على أنها أول نعمة أنعم الله تعالى بها علينا ، هو أن سائر المنافع يترتب على الحياة ، إما في وجودها ، أو في صحة
صفحہ 47