يخافون العذاب على الحقيقة ، وإنما خوفهم خوف توقي وحذر ، على ما قاله شيخنا أبو هاشم رحمه الله تعالى.
** هلا تكون مشاهدة الأدلة والنظر في أحوال القادرين أول الواجبات
فإن قيل : هلا جاز أن تكون مشاهدة الأدلة والنظر في أحوال القادرين أول الواجبات؟ قلنا : المشاهدة مما لا يقف على اختيار المكلف ، بل يحصل على طريقة الوجوب ، والمكلف إذا بلغ كمال العقل لا بد من أن يشاهد الأدلة ويعرفها ضرورة فلا يحتاج إلى نظر في ذلك ولا استدلال ، فلو أنه محتاج إلى ذلك فإنا لم نقيد النظر بل أطلقنا وقلنا : النظر في طريق معرفة الله تعالى أول الواجبات ، فحصل من هذه الجملة أن النظر في طريق معرفة الله تعالى أول الواجبات العقلية على المعنى الذي تقدم.
وأما الواجبات الشرعية فعلى ما ذكره رحمه الله في الكتاب قسمان : أحدهما ما هو من باب الوصف والقول والعبارة ، والآخر ما هو خارج عن هذا الباب.
** أما الأول
الصلاة والصيام والحج وما شاكل ذلك. وكلا الوجهين متأخر عن معرفة الله تعالى.
أما الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات فالشرط فيها إيقاعها على وجه القربة والعبادة ، وذلك لا يحسن إلا بعد العلم بالله وتوحيده وعدله.
وأما الإقرار بالشهادتين فلا شك في أنه متأخر عن معرفة الله تعالى ، لأنا لو خلينا وقضية العقل ما كنا نوجب الإقرار بذلك إلا عند من لحقته تهمة في دينه فهو إذا أمر شرعي ، والتكاليف الشرعية لا شك في تأخرها عن معرفة الله تعالى وتوحيده وعدله ، هذا وجه ومن وجه آخر ، إن الأمر بالشهادتين صورته ، «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله» وهذا قول يحتمل الصدق والكذب ، متردد بينهما ، فالمقر بهما لا بد من أن يكون على بصيرة مما يقربه بحيث لا يجوز خلافه حتى يحسن منه ذلك وإلا قبح.
فقد بان بهذه الجملة مصداق ما قاله رحمه الله : أن سائر الشرائع من قول وفعل لا يحسن إلا بعد معرفة الله تعالى وثبت أن معرفة الله تعالى لا تحصل إلا بالنظر فيجب أن يكون النظر أول الواجبات.
صفحہ 41