فإن قيل : إنه يعرض ، فلم يخل عن هذين الضدين إلا إلى ثالث هو الإعراض ، قلنا : الإعراض ليس بمعنى ، لأنه لا يعلم ضرورة ولا طريق إليه.
فإن قال : إن إليه طريقا وهو كونه معرضا ، قيل له : ليس للمعرض بكونه معرضا ، وإلا كان يجد من نفسه ، كما يجد كونه مريدا أو كارها من نفسه ، وقد علم خلافه.
** سؤال : هلا جعلتم النظر في وجوب النظر أول الواجبات؟ والرد :
فإن قيل : هلا جعلتم النظر في وجوب النظر أول الواجبات؟ قلنا : إن المكلف إذا بلغ كمال العقل لا بد أن يخاف من تركه النظر ضررا لسبب من الأسباب ، وعلم وجوبه عليه ضرورة أو بالرد إلى ما هو معلوم ضرورة فلا يحتاج إلى النظر والاستدلال ، على أنا لم نعين النظر بل أطلقنا وقلنا : النظر في طريق معرفة الله تعالى أول الواجبات ، فلو كان النظر في وجوب النظر نظرا في طريق معرفة الله تعالى ، جاز أن يكون أول الواجبات.
** هلا يكون العلم بالله أول الواجبات؟
فإن قيل : هلا جعلتم العلم بالله تعالى أول الواجبات فإنه هو المقصود بالباب؟ قلنا : إنه وإن كان كذلك إلا أنه يتأخر في الحصول عن النظر ولا يحصل إلا به ، فيجب أن يكون النظر أول الواجبات.
فإن قيل : يلزم على هذا أن يكون القصد إلى النظر واختياره أول الواجبات فإن النظر لا يحصل إلا به ، قلنا : ليس كذلك لأن النظر مجرد الفعل ، ومجرد الفعل لا يحتاج إلى القصد والإرادة ، وحيث يقع مع القصد فالقصد يقع تبعا له ، وصار الحال فيه كالحال في إرادة الأكل مع الأكل ، فكما أن الأكل لا يحتاج إلى الإرادة وحيث تقع فيه كالحال في إرادة الأكل مع الأكل ، فكما أن الأكل لا يحتاج إلى الإرادة وحيث تقع معه إنما تقع تبعا للأكل ، والمقصود هو الأكل ، كذلك هاهنا.
وكذلك فإن أحدنا لو كان على شفير الجنة والنار وهو عالم بما في الجنة من المنافع وبما في النار من المضار وسلبه الله تعالى إرادة دخول الجنة وخلق فيه إرادة دخول النار ، فإنه يدخل الجنة لا محالة دون النار من غير قصد وإرادة ، فعلم أن مجرد الفعل لا يحتاج إلى القصد والإرادة.
يبين ما ذكرناه ويوضحه ، أن الواحد منا لو كلف بالنظر ومنع عن المقصود والإرادة ، لكان يحسن تكليفه بالنظر فلو كان النظر يحتاج إلى القصد والإرادة ، لكان
صفحہ 39