وليس كذلك. فإن من دخل زرع الغير ثم توجه عليه التكليف يلزمه الخروج عنه كما يجب عليه النظر ، هذا بقلبه ، وذلك بجارحته. وكذلك من كان عليه دين ، أو عنده وديعة ثم توجه عليه التكليف فإنه يلزمه الخروج عن عهده ، وذلك كما يلزمه النظر.
** النظر في طريق معرفة الله من الواجبات التي لا ينفك عنها المكلف بوجه من الوجوه
والدليل على ذلك ، أن سائر الواجبات إما أن تتأخر عن معرفة الله تعالى أو يجوز انفكاك المكلف عن وجوبه عليه. وكلامنا فيما لا ينفك المكلف عنه بوجه من الوجوه.
وبيان ذلك : أن الواجبات على ضربين : عقلي وشرعي ، فالعقليات نحو رد الوديعة وقضاء الدين وشكر النعمة ، فما من شيء منها إلا ويجوز انفكاك المكلف عنه بحال من الأحوال ، وأما الشرعيات ، فالشرط فيها إيقاعها على وجه القربة والعبادة إلى الله تعالى ، وذلك لا يحسن إلا بعد معرفة الله تعالى.
فإن قيل : كيف يصح قولكم : إنه لا يجوز أن ينفك عن وجوب شكر النعمة عليه؟ قلنا : لأن النعمة لا يخلو أن تكون من قبل الله تعالى ؛ وشكر نعمة الله تعالى لا تجب إلا بعد معرفته وتوحيده وعدله ، وأنه قصد بذلك الإحسان إليه ، وإما أن تكون من قبل الآدميين ؛ فالآدمي إما أن يكون أجنبيا ولا شك في جواز انفكاكه عن وجوب شكر نعمة الأجنبي عليه ، وبقي أن يقال إنه لا يجوز أن ينفك عن وجوب شكر أبويه عليه ، وهذا فغير ممتنع أن يكون غرضهما بالمقاربة قضاء الوطر وتنفيذ الشهوة فلا يلزمه شكرهما.
فأن قيل : أليس المكلف إذا علم قبح الظلم والكذب وغيرهما من القبائح يلزمه الاجتناب عنهما فهلا جعلتموه أول الواجبات؟ قلنا : كلامنا فيما يلزم المكلف فعله والظلم والكذب وغيرهما من القبائح ليس بهذه المرتبة ، فإن أحدنا يمكنه الاجتناب عن القبائح وإن لم يفعل فعلا.
فإن قال : هذا لا يمكن ، لأن القادر بالقدرة لا ينفك عن الأخذ والترك ، قلنا : هذا أصل فاسد عندنا ، والدليل على ذلك ما ذكره شيخنا أبو إسحاق ابن عياش ، وهو أن أحدنا لا يريد تصرفات الناس في الأسواق ولا يكرهها ، فقد خلا عن الشيء وعن ضده.
صفحہ 38