شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
اصناف
قوله: "فصل" حكم العام عند عامة الأشاعرة التوقف حتى يقوم دليل عموم، أو خصوص، وعند البلخي والجبائي الجزم بالخصوص كالواحد في الجنس والثلاثة في الجمع، والتوقف فيما فوق ذلك وعند جمهور العلماء إثبات الحكم في جميع ما يتناوله من الأفراد قطعا ويقينا عند مشايخ العراق وعامة المتأخرين، وظنا عند جمهور الفقهاء والمتكلمين، وهو مذهب الشافعي والمختار عند مشايخ سمرقند حتى يفيد وجوب العمل دون الاعتقاد، ويصح تخصيص العام من الكتاب بخبر الواحد والقياس واستدل على مذهب التوقف تارة ببيان أن مثل هذه الألفاظ التي ادعى عمومها الأفراد ناقصا فيكون اللفظ أولى بالبعض الآخر، نحو كل مملوك لي حر لا يقع على المكاتب ويسمى مشككا أو زائدا لا تقع على العنب ففي غير المستقل هو
مجمل، وأخرى ببيان أنه مشترك. أما الأول فلأن أعداد الجمع مختلفة من غير أولوية للبعض؛ ولأنه يؤكد بكل وأجمع مما يفيد بيان الشمول والاستغراق فلو كان للاستغراق لما احتيج إليه فهو للبعض وليس بمعلوم فيكون مجملا. وأما الثاني فلأنه يطلق على الواحد، والأصل في الإطلاق الحقيقة فيكون مشتركا بين الواحد والكثير فقوله وأنه يؤكد عطف على قوله لاختلاف أعداد الجمع فيكون دليلا آخر على الإجمال، ويحتمل أن يكون عطفا على قوله؛ لأنه مجمل فيكون دليلا على مذهب أهل التوقف والجواب عن الأول أنه يحمل على الكل احترازا عن ترجيح البعض بلا مرجح فلا إجمال، وعن الثاني أن التأكيد دليل العموم والاستغراق وإلا لكان تأسيسا لا تأكيدا صرح بذلك أئمة العربية، وعن الثالث أن المجاز راجح على الاشتراك فيحمل عليه للقطع أنه حقيقة في الكثير على أن كون الجمع مجازا في الواحد مما أجمع عليه أئمة اللغة، والمراد بالجمع هاهنا ما يعم صيغة الجمع كالرجال واسم الجمع كالناس، وكان أبو سفيان واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أن يوافيه العام المقبل ببدر الصغرى فلما دنى الموعد رعب وندم وجعل لنعيم بن مسعود الأشجعي عشرا من الإبل على أن يخوف المؤمنين فهم: {الذين قال لهم الناس} [آل عمران:173] أي: نعيم بن مسعود: {إن الناس} أي: أهل مكة: {قد جمعوا} أي: الجيش لكم أي: لقتالكم.
قوله: "لأنه المتيقن" استدل على المذهب الثاني بأنه لا يجوز إخلاء اللفظ من المعنى، والواحد في الجنس والثلاثة في الجمع هو المتيقن؛ لأنه إن أريد الأقل فهو عين المراد، وإن أريد ما فوقه فهو داخل في المراد هو البعض والجواب أنه إثبات اللغة بالترجيح وهو باطل، ولو سلم فالعموم ربما كان أحوط فيكون أرجح ولا يخفى أن التوضيح بقوله لفلان علي دراهم مبني على تقدير كون الجمع المنكر عاما، وعلى كون الأقل في جمع الكثرة أيضا هو الثلاثة على خلاف ما صرح به في دليل الإجمال.
قوله: "لأن العموم معنى مقصود" استدل على المذهب المختار بالمعقول والإجماع. أما المعقول فلأن العموم معنى ظاهر يعقله الأكثر وتمس الحاجة إلى التعبير عنه فلا بد من أن يوضع له لفظ بحكم العادة ككثير من المعاني التي وضع لها الألفاظ لظهورها إلى التعبير عنها، فقوله فلا بد أن يكون لفظ يدل عليه يعني: بالوضع ليثبت كونه عاما، وفيه نظر؛ لأن المعنى الظاهر قد يستغنى عن الوضع له خاصة بالمجاز، أو الاشتراك، أو نحو ذلك كخصوص الروائح والطعوم التي اكتفي في التعبير عنها بالإضافة كرائحة المسك على أن هذا إثبات الوضع بالقياس. وأما الإجماع فلأنه ثبت من الصحابة وغيرهم الاحتجاج بالعمومات وشاع ذلك وذاع من غير نكير، فإن قيل فهم ذلك بالقرائن قلنا فتح هذا الباب يؤدي إلى أن لا يثبت للفظ مفهوم ظاهر لجواز أن يفهم بالقرائن، فإن الناقلين لنا لم ينقلوا نص الواضع، بل أخذوا الأكثر من تتبع موارد الاستعمال.
صفحہ 70