شرح نهج البلاغة
شرح نهج البلاغة
تحقیق کنندہ
محمد عبد الكريم النمري
ناشر
دار الكتب العلمية
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
1418 ہجری
پبلشر کا مقام
بيروت
لكن قاتله من لا نظير له
وكان يدعى أبوه بيضة البلد
وانتبه يوما معاوية ، فرأى عبد الله بن الزبير جالسا تحت رجليه على سريره فقعد ، فقال له عبد الله يداعبه ، يا أمير المؤمنين للو شئت أن أفتك بل لفعلت ، فقال : لقد شجعت بعدنا يا أبا بكر قال : وما الذي تنكره من شجاعتي وقد وقفت في الصف إزاء علي بن أبي طالب قال : لا حرم ، إنه قتلك وأباك بيسرى يديه ، وبقيت اليمنى فارغة ، يطلب من يقتله بها . وجملة الأمر أن كل شجاع في الدنيا إليه ينتهي ، وباسمه ينادي في مشارق الأرض ومغاربها . | وأما القوة والأيد فيه يضرب المثل فيهما ، قال ابن قتيبة في المعارف : ما صارع أحدا قط إلا صرعه ، وهو الذي قلع باب خيبر ، واجتمع عليه عصبة من الناس ليقلبوه فلم يقلبوه ، وهو الذي اقتلع هبل من أعلى الكعبة وكان عظيما جدا ، وألقاه إلى الأرض ، وهو الذي اقتلع الصخرة العظيمة في أيام خلافته عليه السلام بيده بعد عجز الجيش كله عنها ، وأنبط الماء من تحتها . | وأما السحاء والجود فحاله فيه ظاهرة ، وكان يصوم ويطوي ويؤثر بزاده ، وفيه أنزل : ^ ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) ^ وروى المفسرون أنه لم يكن يملك إلا أربعة دراهم ، فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا ، وبدرهم سرا وبدرهم علانية ، فأنزل فيه : ^ ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ) ^ | وروى عنه أنه كان يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة ، حتى مجلت يده ، ويتصدق بالأجرة ، ويشد على بطنه حجرا . | وقال الشعبي وقد ذكره عليه السلام : كان أسخى الناس ، كان على الخلق الذي يحبه الله : السخاء والجود ، ما قال لا لسائل قط . | وقال عدوه ومبغضه الذي يجتهد في وصمه وعيبه معاوية بن أبي سفيان لمحفن بن أبي محفن الضبي لما قال له : جئتك من عند أبخل الناس ، فقال : ويحك كيف تقول إنه أبخل الناس ، لو ملك بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفذ ببره قبل تبنه . | وأما الحلم والصفح فكان أحلم الناس عن ذنب ، وأصفحهم عن مسئ ، وقد ظهر صحة ما قلناه يوم الجمل ، حيث ظفر بمروان بن الحكم ، وكان أعدى الناس له ، وأشدهم بغضا ، فصفح عنه . وكان عبد الله بن الزبير يشتمه على رؤوس الأشهاد ، وخطب يوم البصرة فقال : قد أتاكم الوغد اللئيم علي بن أبي طالب ، وكان علي عليه السلام يقول : ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى شب عبد الله ، فظفر به يوم الجمل ، فأخذه أسيرا ، فصفح عنه ، وقال فلا أرينك ، لم يزده على ذلك . | وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكة ، وكان له عدوا ، فأعرض عنه ولم يقل له شيئا . | وقد علمتم ما كان من عائشة في أمره ، فلما ظفر بها أكرمها ، وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس عممهن بالعمائم وقلدهم بالسيوف ، فلما كانت الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به ، وتأففت وقالت : هتك ستري برجاله وجنده الذين وكلهم بي ، فلما وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهن ، وقلن لها : إنما نحن نسوة . | وحاربه أهل البصرة ، وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف ، وشتموه ةولعنوه ، فلما ظفر رفع السيف عنهم ، ونادى مناديه في أقطار العسكر ، ألا لا يتبع مول ، ولا يجهز على جريح ، ولا يقتل مستأسر ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن تحيز إلى عسكر الإمام فهو آمن ، ولم يأخذ أثقالهم ، ولا سبى ذراريهم ولا غنم شيئا من أموالهم ، ولو شاء أن يفعل كل ذلك لفعل ، ولكنه أبى إلا الصفح والعفو ، وتقيل سنة رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة ، فإنه عفا والأحقاد لم تبرد ، والإساءة لم تنس . | ولما ملك عسكر نعاوية عليه الماء ، وأحاطوا بشريعة الفرات ، وقالت رؤساء الشام له : اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشا ، سألهم علي عليه السلام وأصحابه أن يشرعوا لهم شرب الماء ، فقالوا لا والله ، ولا قطرة حتى تموت ظمأ كما مات ابن عفان ، فلما رأى عليه السلام أنه الموت لا محالة تقدم بأصحابه ، وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة ، حتى أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع ، سقطت منه الرؤوس والأيدى وملكوا عليهم الماء ، وصار أصحاب معاوية في الفلاة ، لا ماء لهم ، فقال له أصحابه وشيعته . امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك ، ولا تسقهم منه قطرة ، واقتلهم بسيوف العطش وخذهم قبضا بالأيدي فلا حاجة لك إلى الحرب ، فقال : لا والله لا أكافئهم بمثل فعلهم أفسحوا لهم عن بعض الشريعة ، ففي حد السيف ما يغني عن ذلك ، فهذه إن نسبتها إلى الحلم والصفح فناهيك بها جمالا وحسنا ، وإن نسبتها إلى الدين والورع فأخلق بمثلها أن تصدر عن مثله عليه السلام . | وأما الجهاد في سبيل الله فمعلوم عند صديقه وعدوه أنه سيد المجاهدين ، وهل الجهاد لأحد من الناس إلا له . وقد عرفت أنه أعظم غزاة غزاها رسول الله عليه وآله ، وأشدها نكاية فيالمشركين بدر الكبرى ، قتل فيها سبعون من المشركين ، قتل علي نصفهم ، وقتل المسلمون والملائكة النصف الآخر وإذا رجعت إلى مغلزيس محمد بن عمر الواقدي وتاريخ الأشراف لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري وغيرهما علمت صحة ذلك ، دع من قتله في غيرها كأحد والخندق وغيرهما ، وهذا الفصل لا معنى للإطناب فيه ، لأنه من المعلومات الضرورية ، كالعلم بوجود مكة ومصر ونحوهما . | وأما الفصاحة فهو عليه السلام إمام الفصحاء وسيد البلغاء ، وفي كلامه قيل : دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوقين ، ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة ، قال عبد الحميد بن يحيى : حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ، ففاضت ثم فاضت ، وقال ابن نباتة : حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده إلا سعة وكثرة ، حفظت مائة فصل منمواعظ علي بن أبي طالب . | ولما قال محفن بن أبي محفن لمعاوية : جئتك من عند أعيا الناس ، قال له : ويحك كيف يكون أعيا الناس فوالله ما سن الفصاحة لقريش غيره ، ويكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه دلالة علىأنه لا يجارى في الفصاحة ، ولا يبارى في البلاغة ، وحسبك أنه لم يدون لأحد من فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دون له ، وكفاك في هذا الباب ما يوله أبوو عثمان الجاحظ في كتاب البيان والتبيين وفي غيره من كتبه . | وأما سجاحة الأخلاق ، وبشر الوجه ، وطلاقة المحيا والتبسم ، فهو المضروب به المثل فيهع ، حتى عابه أعداؤه ، قال عمرو بن العاص لأهل الشام : إنه ذو دعابة شديدة ، وقال علي عليه السلام في ذاك : عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة ، وأني امرؤ تلعابة ، أعافس وأمارس ، وعمرو بن العاص إنما أخذها عن عمر بن الخطاب لقوله له لما عزم على استخلافه : لله أبوك لولا دعابة فيك إلا أن عمر اقتصر عليها ، وعمرو زاد فيها وسمجها . | قال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه : كان فينا كأحدنا ، لين الجانب ، وشدة تواضع ، وسهولة قياد ، وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه . وقال معاوية لقيس بن سعد : رحم الله أبا الحسن ، فلقد كان هشا بشا ، ذا فكاهة . قال قيس : نعم ، كان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح ويبتسم إلى أصحابه ، وأراك تسر حسوا في ارتغاء ، وتعيبه بذلك ، أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى ، تلك هيبة التقوى ، وليس كما يهابك طغام أهل الشام . | وقد بقي هذا الخلق متوارثا متناقلا في محبيه وأوليائه إلى الآن ، كما بقي الجفاء والخشونة والوعورة في الجانب الآخر ، ومن له أدنى معرفة بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك . | وأما الزهد في الدنيا فهو سيد الزهاد ، وبد الأبدال ، وإليه تشد الرحال وعنده تنفض الأحلاس ، ما شبع من طعام قط . وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا ، قال عبد الله بن رافع : دخلت عليه يوم عيد ، فقدم جرابا مختوما ، فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا ، فقدم فأكل ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، فكيف تختمه ؟ قال : خفت هذين الوليدن أن يلتاه بسمن أو زيت . | وكان ثوبه مرقوعا بجلد تارة وليف أخرى ، ونعلاه من ليف ، وكان يلبس الكرباس الغليظ ، فإذا وجد كمه طويلا قطعه بشفرة ، ولم يخطه ، فكان لا يزال متساقطا على ذراعيه حتى يبقى سدى لا لحمه له . وكان يأتدم إذا اتئدم بخل أو بملح ، فإن ترقى عن ذلك فبعض نبات الأرض ، فإن ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الإبل ، ولا يأكل اللحم إلا قليلا ، ويقول لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان ، وكان مع أشد الناس قوة وأعظمهم أيدا ، لا ينقص الجوع قوته ، ولا يخون الإقلاق منته ، وهو الذي طلق الدنيا ، وكانت الأموال تجبى إليه من جميع بلاد الإسلام إلا من الشام ، فكان يفرقها ويمزقها . ثم يقول :
صفحہ 23