شرح نهج البلاغة

Ibn Abi al-Hadid d. 656 AH
37

شرح نهج البلاغة

شرح نهج البلاغة

تحقیق کنندہ

محمد عبد الكريم النمري

ناشر

دار الكتب العلمية

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

1418 ہجری

پبلشر کا مقام

بيروت

الأصل : ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء ، وشق الأرجاء ، وسكائك الهواء ، فأجرى فيها ماء متلاطما تياره ، متراكما زخاره ، حمله على متن الريح العاصفة ، والزعزع القاصفة ، فأمرها برده ، وسلطها على شده ، وقرنها إلى حده ؛ الهواء من تحتها فتيق ، والماء من فوقها دفيق . ثم أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها ، وأدام مربها ، وأعصف مجراها ، وأبعد منشاها ؛ فأمرها بتصفيق الماء الزخار ؛ وإثارة موج البحار ، فمخضته مخض السقاء ، وعصفت به عصفها بالفضاء ، ترد أوله على آخره ، وساجيه على مائره ، حتى عب عبابه ، ورمى بالزبد ركامه ، فرفعه في هواء منفتق ، وجو منفهق ، فسوى منه سبع سموات جعل سفلاهن موجا مكفوفا ؛ وعلياهن سقفا محفوظا ، وسمكا مرفوعا ؛ بغير عمد يدعمها ، ولا دسار ينتظمها . ثم زينها بزينة الكواكب ، وضياء الثواقب ، وأجرى فيها سراجا مستطيرا ، وقمرا منيرا ، في فلك دائر ، وسقف سائر ، ورقيم مائر .

الشرح : لسائل أن يسأل فيقول : ظاهر هذا الكلام أنه سبحانه خلق الفضاء والسموات بعد خلق كل شيء ؛ لأنه قد قال قبل : فطر الخلائق ، ونشر الرياح ، ووتد الأرض بالجبال ، ثم عاد فقال : أنشأ الخلق إنشاء ، وابتدأه ابتداء ، وهو الآن يقول : ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء ، ولفظة ثم للتراخي ! فالجواب أن قوله : ثم هو تعقيب وتراخ ، لا في مخلوقات البارئ سبحانه ، بل في كلامه عليه السلام ؛ كأنه يقول : ثم أقول الآن بعد قولي المتقدم : إنه تعالى أنشأ فتق الأجواء . ويمكن أن يقال : إن لفظة ثم ، ههنا تعطي معنى الجمع المطلق كالواو ، ومثل ذلك قوله تعالى : ' وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ' .

واعلم أن كلام أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الفصل يشتمل على مباحث : منها : أن ظاهر لفظه أن الفضاء الذي هو الفراغ الذي يحصل فيه الأجسام خلقه الله تعالى ولم يكن من قبل ؛ وهذا يقتضي كون الفضاء شيئا ، لأن المخلوق لا يكون عدما محضا . وليس ذلك ببعيد ، فقد ذهب إليه قوم من أهل النظر ، وجعلوه جسما لطيفا خارجا عن مشابهة هذه الأجسام . ومنهم من جعله مجردا .

فإن قيل : هذا الكلام يشعر بأن خلق الأجسام في العدم المحض قبل خلق الفضاء ليس بممكن ، وهذا ينافي العقل ! قيل : بل هذا هو محض مذهب الحكماء ، فإنهم يقولون : إنه لا يمكن وجود جسم ولا حركة جسم خارج الفلك الأقصى ؛ وليس ذلك إلا لاستحالة وجود الأجسام وحركتها ، إلا في الفضاء .

صفحہ 57