شرح نهج البلاغة
شرح نهج البلاغة
تحقیق کنندہ
محمد عبد الكريم النمري
ناشر
دار الكتب العلمية
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
1418 ہجری
پبلشر کا مقام
بيروت
ثم قال الراوندي : ويجوز أن يقال : البعد والغوص مصدران ههنا بمعنى الفاعل ، كقولهم : فلان عدل ، أي عادل ، وقوله تعالى : ' إن أصبح ماؤكم غورا ' ، أي غائرا ، فيكون المعنى : لا يدركه العالم البعيد الهمم فكيف الجاهل ! ويكون المقصد بذلك الرد على من قال : إن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة الإسراء ؛ وإن يونس عليه السلام رأى ربه ليلة هبوطه إلى قعر البحر . ولقائل أن يقول : إن المصدر الذي جاء بمعنى الفاعل ألفاظ معدودة ، لا يجوز القياس عليها ، ولو جاز لما كان المصدر ههنا بمعنى الفاعل ؛ لأنه مصدر مضاف ، والمصدر المضاف لا يكون بمعنى الفاعل . ولو جاز أن يكون المصدر المضاف بمعنى الفاعل لم يجز أن يحمل كلامه عليه السلام على الرد على من أثبت أن البارئ سبحانه مرئي : لأنه ليس في الكلام نفي الرؤية أصلا ، وإنما غرض الكلام نفي معقوليته سبحانه ، وأن الأفكار والأنظار لا تحيط بكنهه ، ولا تتعقل خصوصية ذاته ، جلت عظمته ! ثم قال الراوندي : فأما قوله : الذي ليس لصفته حد محدود ، ولا نعت موجود ، ولا وقت معدود ، ولا أجل ممدود ، فالوقت : تحرك الفلك ودورانه على وجه ، والأجل : مدة الشيء ؛ ومعنى الكلام أن شكري لله تعالى متجدد عند تجدد كل ساعة ، ولهذا أبدل هذه الجملة من الجملة التي قبلها وهي الثانية ، كما أبدل الثانية من الأولى .
ولقائل أن يقول : الوقت عند أهل النظر مقدار حركة الفلك ، لا نفس حركته ، والأجل ليس مطلق الوقت ، ألا تراهم يقولون : جئتك وقت العصر ، ولا يقولون : أجل العصر ! والأجل عندهم هو الوقت الذي يعلم الله تعالى أن حياة الحيوان تبطل فيه ، مأخوذ من أجل الدين ، وهو الوقت الذي يحل قضاؤه فيه .
فأما قوله : ومعنى الكلام أن شكري متجدد لله تعالى في كل وقت ، ففاسد ، ولا ذكر في هذه الألفاظ للشكر ، ولا أعلم من أين خطر لراوندي ! وظنه أن هذه الجمل من باب البدل غلط ، لأنها صفات ، كل واحدة منها صفة بعد أخرى ، كما تقول : مررت بزيد العالم ، الظريف ، الشاعر . قال الراوندي : فأما قوله : الذين ليس لصفته حد ، فظاهره إثبات الصفة له سبحانه ، وأصحابنا لا يثبتون لله سبحانه صفة ، كما يثبتها الأشعرية ، لكنهم يجعلونه على حال ، أو يجعلونه متميزا بذاته ، فأمير المؤمنين عليه السلام بظاهر كلامه - وإن أثبت له صفة - إلا أن من له أنس بكلام العرب يعلم أنه ليس بإثبات على الحقيقة . وقد سألني سائل فقال : ههنا كلمتان ؛ إحداهما كفر ، والأخرى ليست بكفر ؛ وهما : لله تعالى شريك غير بصير . ليس شريك الله تعالى بصيرا ، فأيهما كلمة الكفر ؟ فقلت له : القضية الثانية ؛ وهي ليس شريك الله تعالى بصيرا ، كفر ؛ لأنها تتضمن إثبات الشريك ، وأما الكلمة الأخرى ، فيكون معناها لله الشريك غير بصير ؟ بهمزة الاستفهام المقدرة المحذوفة .
ثم أخذ في كلام طويل يبحث فيه عن الصفة والمعنى ، ويبطل مذهب الأشعرية بما يقوله المتكلمون من أصحابنا ، وأخذ في توحيد الصفة : لم جاء وكيف يدل نفي الصفة الواحدة على نفي مطلق الصفات ؟ وانتقل من ذلك إلى الكلام في الصفة الخامسة التي أثبتها أبو هاشم ، ثم خرج إلى مذهب أبي الحسين ، وأطال جدا فيما لا حاجة إليه .
ولقائل أن يقول : الأمر أسهل مما تظن ، فإنا قد بينا أن مراده نفي الإحاطة بكنهه ، وايضا يمكن أن يجعل الصفة ههنا قول الواصف ، فيكون المعنى : لا ينتهي الواصف إلى حد إلا وهو قاصر عن النعت ، لجلالته وعظمته ، جلت قدرته .
صفحہ 49