شرح نهج البلاغة

Ibn Abi al-Hadid d. 656 AH
150

شرح نهج البلاغة

شرح نهج البلاغة

تحقیق کنندہ

محمد عبد الكريم النمري

ناشر

دار الكتب العلمية

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

1418 ہجری

پبلشر کا مقام

بيروت

وأما قوله : قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين ، فمراده أمر عثمان وتقديمه في الخلافة عليه . ومن الناس من يحمل ذلك على خلافة الشيخين أيضا . ويبعد عندي أن يكون أراده ، لأن المدة قد كانت طالت ، ولم يبق من يعاتبه ليقول : قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين ، فإن هذا الكلام يشعر بمعاقبة قوم على أمر كان أنكره منهم . وأما بيعة عثمان ، ثم ما جرى بينه وبين عثمان من منازعات طويلة ، وغضب تارة ، وصلح تارة ، ومراسلات خشنة ولطيفة ، وكون الناس بالمدينة كانوا حزبين وفئتين : إحداهما معه عليه السلام ، والأخرى مع عثمان ؛ فإن صرف الكلام إلى ما قلناه بهذا الاعتبار أليق .

ولسنا نمنع من أن يكون في كلامه عليه السلام الكثير من التوجد والتألم لصرف الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم عنه ؛ وإنما كلامنا الآن في هذه اللفظات التي في هذه الخطبة ، على أن قوله عليه السلام : سبق الرجلان ، والاقتصار على ذلك فيه كفاية في انحرافه عنهما .

وأما قوله : حق وباطل . . إلى آخر الفصل ، فمعناه كل أمر فهو إما حق وإما باطل ، ولكل واحد من هذين أهل ، وما زال أهل الباطل أكثر من أهل الحق ؛ ولئن كان الحق قليلا لربما كثر ، ولعله ينتصر أهله .

ثم قال على سبيل التضجر بنفسه : وقلما أدبر شيء فأقبل ، استبعد عليه السلام أن تعود دولة قوم بعد زوالها عنهم ؛ وإلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله :

وقالوا يعود الماء في النهر بعدما . . . ذوى نبت جنبيه وجف المشارع

فقلت إلى أن يرجع النهر جاريا . . . ويعشب جنباه تموت الضفادع

ثم قال : ولئن رجعت عليكم أموركم ، أي إن ساعدني الوقت ، وتمكنت من أن أحكم فيها بحكم الله تعالى ورسوله ، وعادت إليكم أيام شبيهة بأيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيرة مماثلة لسيرته في أصحابه ؛ إنكم لسعداء .

ثم قال : وإني لأخشى أن تكونوا في فترة ، الفترة هي الأزمنة التي بين الأنبياء إذا انقطعت الرسل فيها ؛ كالفترة التي بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه لم يكن بينهما نبي ، بخلاف المدة التي كانت بين موسى وعيسى عليهما السلام ، لأنه بعث فيها أنبياء كثيرون ، فيقول عليه السلام : إني لأخشى ألا أتمكن من الحكم بكتاب الله تعالى فيكم ، فتكونوا كالأمم الذين في أزمنة الفترة لا يرجعون إلى نبي يشافههم بالشرائع والأحكام ، وكأنه عليه السلام قد كان يعلم أن الأمر سيضطرب عليه .

صفحہ 170