شرح المشكل من شعر المتنبي
شرح المشكل من شعر المتنبي
فأما) أيانَ (فلا يسأل بها إلا عن العَرَرض. تقول أيان القتالُ. ولا تقول أيان زيدٌ. وقد قال ﷿:) يسألون أيانَ يومُ الدين (وقال:) يسألونك عن الساعة أيانَ مُرْساها (فحُكُم) أيان (إذن حكُم مَتى، ومتَى خِلافُ أين. فأيان إذنْ خِلافُ أين.
وقد يجوز أن يكون ابو الطيب في ذمه النهار، مُعرضا بسيف الدولة لبياضه، وفي حمده الليل، مُتعللاٍّ بكافور لسواده، فإن كان قصد ذلك فهو ظريف، وإن كان لم يقصده فتوجيهنا له غريب.
) وأصرع اي الوحشِ قفيتُه بهِ ... وأنزلُ عنه مثلهُ حين أركبُ (
قفيته: اي اتبعت قفاه. يقول: أقتُلُ بهذا الفرس اي نوع أو شخص من الوحش حاولتُ به إدراكه، وأنزل عنه بعد ذلك وهو في مثل حاله حين ركبته، من الجمام ووفور الجري لم يغيره إجرائي له، ولا أذهب ميعته. وهذا كقول المَرار بن منقذ السعدي في صفة عجوز يذكر بقاء حسنها:
من بعد ما لَبِسَتْ زمانًا حُسنها ... وكأن ثوب جمالها لم يُلبسِ
) ومثله (. منصوب على الحال من الهاء التي في عنه. و) حين (ظرف متعلق بأنزل.
) تَزيدُ عطاياهُ على الليث كَثرةً ... وتلبثُ أمواهُ السحاب فتنضُبُ (
اي كلما لبث عطاياه تضاعفت ونمت، لأنها ذوات مواد كحجر يهبها فتنتج مهرًا، أو ضيعة تُورثه غلة ووفرًا، فتنمى هباته على الأيام، وتواتر الأعوام.
وأما مواهب السحاب فكلما لَبِثت نشقَتها الشمس، ونضبتها الأرض، واستقتها الواردة. فهذا فضل ندى كافور على ندى السحاب.
) ودُون الذي يبغُون مَا لوْ تَخَلصُوا ... إلى الشيبِ منهُ عِشت والطفلُ أشيبُ (
) ما لوا تخلصوا إلى الشيب منه (: يعني الموت. اي دون ما يحاولونه منك الموت، الذي لو تخلصوا منه إلى الشيب، لشاب طفلُهم في حال طفولته - اراد القرب - ولكنهم لا يمكنهم التخلص من الموت إلى الشيب، بل أنت تأتي عليهم، فتقتلهم في الحال.
وقيل معناه: لو أمهل الحسدُ حسادك ريثَ هجوم الشيب، لشاب طفلُهم الآن، ولم يتأخر الشيب عنه إلى أوانه، ولكن انت تعجلهم، وشيب الطفل في كل ذلك: يذهب به إلى القُرب. اي لو أمهلهم الموت الذي يحدث عنه الحسد، لشابوا في هذا الوقت، ولم يمهل الطفل منهم إلى أوان المشيب، بل كان يشيب مع هؤلاء.
وإن شئت قلت: إن هذا كقوله:
فإنك سوف تحلُم او تناهَي ... إذا ما شِبتَ او شاب الغُرابُ
اي إنما تحلم إذا شبت، وأنت لا تشيب أبدًا، لان حلْمك على الناس يقتلُك، فيُعجلك عن بلوغ الشيب، وكذا لا يشيب الغراب أبدًا.
فكذلك لا تحلم أبدًا. فيقول: لو تخلصوا من الموت إلى الشيب - وهذا غير ممكن - اي لو أمكن ذلك الممتنع، الذي هو التخلص من الموت إلى الشيب، لأمكن هذا الممتنع الثاني، وهو شيب الطفل.
) ثناهُم وبرقُ البيضِ في البيضِ صادقٌ ... عليهِم وبرقُ البيضِ في البيضِ خُلبُ (
البرق على ضربين: صادق، وكاذب. والكاذب يقال له: الخُلب، من الخلابة، وهي الخداع. فوعدْ بَرق سيوفك بأن يُفلِق البيض إلى ما تحتها من الهامِ، صادق، لأنها تفعل ذلك. وبرق بيضِ عداك أن تقي هامهم من بيضك، اي سيوفك، كاذب، لان سيوفك من عاداتها أن تقُد تريكهم إلى هامهم، فهو خُلب لذلك. وقد يقولون: برقُ الخُلب فيضيفون، وهذه الإضافة على حذف الموصوف، اي برق السحاب الخُلب. وإن شئت، جعلتها من إضافة الشيء إلى نفسه، كنحو ما حكاه أبو بكر محمد أبن السرِى من قولهم: مَسْجد الجامع، وباب الحديد. وقد حمل بعضهم توله تعالى) ولَدَارُ الآخَرةِ خَيرٌ (على ذلك.
) سَلَلتَ سُيُوفًا علمت كل خاطبٍ ... على كُل عُودٍ كيف يَدعُو ويخطُبُ (
إن شئت قلت: لما رأى الناس تأثير سيوفك في عِداك، دانُوا لك، فخطبوا باسمك على كل منبر. وان شئت قلت: كان الواجب في الاختطاب على المنابر أن يكون باسمك، فتُجُوز في الخُطب باسم غيرك، فَسَلَلتْ سيةفك، وقتلت بها أعداءك، وبلغت أماميك، فخطبُوا لك خاصة، فكان تخصيصك بذلك من تعليم السيوف التي سلن، كقوله: توليه أوساطَ البلادِ رِماحُهُ وقوله:) كيفَ يَدعو ويخطُبُ (جملة في موضع المفعول الثاني، و) علمت كل خاطب (: الدعاء والخطبة. و) على كلِّ عُود (: اراد على كل منبر، لان المنبر من العُود، فأقام العُنصُر مكان الصورة، ومثله كثير.
وله ايضا:
1 / 87