Sharh Kitab Al-Fawaid

Omar Abdelkafy d. Unknown
80

Sharh Kitab Al-Fawaid

شرح كتاب الفوائد

اصناف

العمل للدنيا بقدر البقاء فيها وقوله: (اعمل للدنيا بقدر المقام فيها) مقامنا في الدنيا قليل؛ لأن سيدنا نوحًا لما سئل: كيف وجدت الدنيا؟ قال: وجدتها دارًا لها بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر. ولذلك قلنا: إن الرياضيين يقولون: أي رقم على ما لا نهاية يساوي صفر، فحياتنا في الدنيا لها نهاية تصلها، أما الآخرة فلا نهاية لها، بل يا أهل الجنة! خلود بلا موت، ويا أهل النار! خلود بلا موت. إذًا: فالدنيا بالنسبة للآخرة رياضيًا لا تساوي شيئًا، وفي الحديث: (لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة)، إذًا: فهي أقل وأحقر من جناح البعوضة، أول ما ينزل العبد في القبر: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق:٢٢] فأنا أريد أن يبقى المسلم حديد البصر وهو في الدنيا، ولا يحد البصر في الدنيا إلا في مجالس العلم والذكر، وعندها نريد أن نجد من إذا رأيناه ذكرنا بالله، ورؤيته تدلنا على الله، ويزيد في علمنا منطقه، وقلنا: عيشوا مع الناس معيشة حتى إن غبتم حنوا إليكم، وإذا متم ترحموا عليكم، اللهم اجعلنا وإياكم من هؤلاء. إذًا: فاعمل لله بقدر حاجتك له، وللدنيا بقدر مقامك فيها، وللآخرة بقدر بقائك فيها، ومثل ذلك كمثل رجل مسافر مدة معينة كأسبوع مثلًا، فإنه سيأخذ مؤنة أسبوع، وإن كان السفر شهرًا أو سنة فالمؤنة بحسبه، وإن كنت مهاجرًا فستبيع الشقة والسيارة، وتأخذ أموالك من البنك، ثم تتكل على الله، وإن كان سيرجع إلى وطنه، فسيبقى له بعض المصالح فيه. لكن الذي هو ذاهب إلى الآخرة فلن يرجع إلى الدنيا، فاعمل زادًا تأخذه معك؛ يقول النبي ﷺ: (يا أبا ذر! أكثر الزاد فإن السفر طويل) لأن الذي مات قاطع تذكرة للإياب فقط؛ لأنه آب إلى ربه، قال تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي﴾ [الفجر:٢٨] فرجع للمكان الأساسي، وحينها تحيا في جنات عدن، فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم، يعني: هي المنزل الأساسي، ولو أنك في الدنيا في حالة الرضا، فأنت في جنة في الدنيا. وضربت لكم مثلًا عمليًا، وهو أن الأطباء أخذوا عينة من المتدينين الملتزمين والملتزمات، ثم أخذوا عينة أخرى من الذين يعيشون ولا هم لهم في الدين ولا في دروس العلم، ولا في الصلاة ولا في غيرها، ونظروا نسبة الأمراض النفسية والسكر والضغط، ونحوها، فوجدوها مرتفعة عند غير الملتزمين، وأما الملتزم دينيًا فهو أهدأ حالة، وليس عنده من الأمراض المستعصية التي تأتي من أثر الشد العصبي، الذي هو عدم الرضا عن القدر، إلا المبتلى من المؤمنين، ودرجته عند الله عظيمة. لكن نحن نتكلم على الحالات النفسية التي للإنسان العادي منا، فيكون مكتئبًا في الحياة متضايقًا من وضعه، ولذلك في الدول الاسكندنافية أعلى دخل في العالم هم، وأعلى نسبة في الانتحار في العالم عندهم، وهذا نتيجة عدم الرضا بقضاء الله وبالله، لكن الرجل المسكين قد يكون عنده حالة من الرضا أحسن من ملك السويد، وآخر يقول لي: أنا تعلمت العقيدة من عامل في القصر الجمهوري، وهو مسئول كبير يقول: تعلمت العقيدة من هذا الرجل، ذات مرة أتم عمله ونام، فرأيته وقلت له: قم يا عم فلان! لو جاء أحد المسئولين ووجدك نائمًا فأنت تدري ماذا سيفعل، أي: سوف يفصلك، وإذا بالرجل ينام مرة ثانية، لماذا؟ لأنه لا يخاف إلا من الله، فليس خائفًا على الكرسي، فقد أخذوه، فهو نائم على الأرض. فنسأل الله ﷾ أن يرضينا بما آتانا، وأن يقنعنا بما آتانا، وأن يشفي أمراض قلوبنا، وأن يشرح صدورنا، وأن يتولانا وإياكم. إذًا: فاعمل لله بقدر حاجتك له، وللدنيا بقدر مقامك فيها، وللآخرة بقدر بقائك فيها، وللنار بقدر صبرك عليها، كان عمر بن الخطاب يشعل النار في البيت ويقرب أصبعه ويقول: يا ابن الخطاب! ألك صبر على مثل هذا؟ فهو يربي نفسه، أما من في زماننا فأحدهم كما قال الله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ﴾ [البقرة:٢٠٦]، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين إذا سمعوا عملوا بما سمعوا. إذًا: فعشرة أشياء ضائعة لا ينتفع بها، علم لا يعمل به، وهذه كارثة، يعني: الإنسان الذي يعلم ولا يعمل.

10 / 4