قال: فيشبه أن يكون أبقراط إنما قال هذا وهو يريد أن يدل على الحاجة إلى طول الرؤوس والرقاب في الحيوان الطويل الرأس الطويل الرقبة التي قد بينت في كتاب منافع الأعضاء. فقد بين في ذلك الكتاب أن الرقبة إنما خلقت بسبب الحلقوم والحلقوم هو آلة الصوت والنفس جميعا إلا أن الخالق [تبرك وتعالى] يتلطف للشيء الذي جعله بمنفعة من المنافع حتى يجعل فيه منفعة من وجه آخر. ومن ذلك أنه جعل الرقبة في كثير من الحيوان تقوم مقام اليد للإنسان وكذلك ما كان من الحيوان يتناول الغذاء بفيه من الأرض. وذلك هو السبب الأعظم في خاصة انثناء الرأس والرقبة: جعل له من الطول في الرقبة أو في الرأس كله أو في جزء منه مثل المنقار والشفة أو فيهما جميعا يعني في الرأس والرقبة بمقدار طول قوائمه.
فأما الإنسان وما أشبهه من الحيوان فجعلت له الرقبة بسبب الحلقوم وجعل له الحلقوم بسبب الصوت والتنفس ولذلك جعل لرقبته من الطول مقدار ما كان يحتاج إليه الحلقوم في الأفعال التي لها جعل. ولذلك صار السمك لما لم يكن له حلقوم ولم تكن له رقبة فإن السمك إما ألا تكون له رقبة وإما أن تكون رقبته قصيرة جدا وتركيبها من الفقارتين الأولتين فقط. وكما أن الرقبة في السمك إما أن تكون قصيرة جدا وإما ألا تكون موجودة أصلا كذلك في الحيوان الذي تقوم له الرقبة مقام اليد للإنسان بمده إياها جعلت الرقبة طويلة. وجعلت الرقبة معتدلة في الحيوان الذي جعلت له الرقبة لموضع الصوت وأضيف إلى ذلك الارتفاق بها فيما ينبت منها من العصب الذي ينحدر إلى اليدين وإلى الحجاب.
صفحہ 170