شرح ديوان المتنبي
شرح ديوان المتنبي
اصناف
فصبر عليه المتنبي ساكنا ساكتا، إلى أن نجزها، ثم خلى عنان دابته، وانصرف المتنبي إلى منزله، وقد تيقن استقرار أبي الفضل ابن العميد بأرجان وانتظاره له فاستعد للمسير.
وحدثنا أبو الفتح عثمان بن جني عن علي بن حمزة البصري قال: كنت مع المتنبي لما ورد أرجان، فلما أشرف عليها وجدها ضيقة البقعة والدور والمساكن، فضرب بيده على صدره وقال: تركت ملوك الأرض وهم يتعبدون بي، وقصدت رب هذه المدرة، فما يكون منه! ثم وقف بظاهر المدينة، وأرسل غلاما على راحلته إلى ابن العميد، فدخل عليه وقال: مولاي أبو الطيب المتنبي خارج البلد - وكان وقت القيلولة، وهو مضطجع في دسته - فثار من مضجعه واستثبته، ثم أمر حاجبه باستقباله، فركب واستركب من لقيه في الطريق، ففصل عن البلد بجمع كثير، فتلقوه وقضوا حقه وأدخلوه البلد. فدخل على أبي الفضل، فقام له من الدست قياما مستويا، وطرح له كرسي عليه مخدة ديباج، وقال أبو الفضل: كنت مشتاقا إليك يا أبا الطيب، ثم أفاض المتنبي في حديث سفره، وأن غلاما له احتمل سيفا وشذ عنه، وأخرج من كمه عقيب هذه المفاوضة درجا فيه قصيدته:
باد هواك صبرت أو لم تصبرا
فوحى أبو الفضل إلى حاجبه بقرطاس فيه مائتا دينار، وسيف غشاؤه فضة، وقال: هذا عوض عن السيف المأخوذ، وأفرد له دارا نزلها، فلما استراح من تعب السفر كان يغشى أبا الفضل كل يوم، ويقول: ما أزورك إكبابا إلا لشهوة النظر إليك! ويؤاكله، وكان أبو الفضل يقرأ عليه ديوان اللغة الذي جمعه، ويتعجب من حفظه وغزارة علمه، فأظلهم النيروز فأرسل أبو الفضل بعض ندمائه إلى المتنبي: كان يبلغني شعرك بالشام والمغرب وما سمعته دونه، فلم يحر جوابا، إلى أن حضره النيروز وأنشده مهنئا ومعتذرا فقال:
هل لعذري إلى الهمام أبي الفض
ل قبول، سواد عيني مداده
فأخبرني البديهي، سنة ثلاثمائة وسبعين: أن المتنبي قال بأرجان: الملوك قرود يشبه بعضهم بعضا، على الجودة يعطون، وكان حمل إليه أبو الفضل خمسين ألف دينار، سوى توابعها، وهو من أجاود زمان الديلم، وكذلك أبو المطرف وزير مرداويج، قصده شاعر من قزوين فأنشده وأمله مادة نفقة يرجع بها إلى بلده، فكتب إليه أبياتا أولها:
أأقلام بكفك أم رماح
وعزم ذاك، أم أجل متاح
فقال أبو المطرف: أعطوه ألف دينار، وكذلك أبو الفضل البلعمي وزير بخارى أعطى المطراني الشاعر على قصيدته التي أولها:
نامعلوم صفحہ