أما «سوسنة» فكان يلوح على محياها بهجة شديدة حتى لم يشك أحد عن صفاء قلبها وإخلاص ودادها، إلا أن أختها لمحت في بشاشة وجهها تصنعا وتجملا مع امتقاع في لونها واصفرار في وجنتيها.
فلما كان المساء نحو الساعة التاسعة دخل لفيف الأهل والأقارب إلى الديوان الكبير يتقدمهم الخطيبان الجديدان، وكانت «سوسنة» رافلة في أبهى ملابسها تزينها الحلي والمصوغات وهي متمنطقة بنطاق أزرق ناصع اللون مرصع بالحجارة الكريمة يبدو حسنه فوق ثيابها البيضاء كالثلج.
أما «وردة» فكانت بخلاف الأمر لابسة لبسا بسيطا حتى لو رآها غريب لظن أن أختها صاحبة العيد ليست هي، أما الحلي فلم ترض منها سوى بصليب صغير من الذهب كان يلوح على صدرها وسوارين من الفضة في زنديها، وكان شعرها الأشقر مجموعا فوق رأسها تضمه عصابة سوداء ذات عقدة واسعة، ولما أشارت إليها أمها أن تستبدل هذه العصابة بغيرها من اللون الأرجواني أجابتها ابنتها بلطف: «إني أوثر الأسود، واختلاف الألوان في اللبس أجود، هذا وإن أحببت يا أماه أن أغير هذه العصابة لفعلت وفقا لرضاك.»
فأجابتها أمها : «ابقي كما شئت يا مهجة الفؤاد، فدونك هذه الوردة شكيها في نطاقك وكفى بذلك لهذا المساء؛ لأن الوقت قد حان وجماعة المدعوين في انتظارك.»
فلما دخل الجمهور إلى القاعة كانت نوافذها مفتوحة يزف إليها هواء الليل روائح الزهور العطرة الفاغمة في حديقة الدار، وكانت أنواع الثريات تنعكس في مرايا الجدران والخشب المصقول، فتجعل الديوان كأنه شعلة نار، هذا مع ما في القاعة من النقوش والصور الحسنة البهية.
فانتظم القدم كل بمكانه، والمدعوون في ثيابهم العيدية وأرباب الأمر منهم في ملابسهم الرسمية، أما السيدات فلم يدعن في ذلك اليوم شيئا من الأزياء المستجدة ليخطرن في حللهن ويتبارين حسنا وجمالا.
فابتدأ العيد بفرح ومزيد مسرة، ولكن لما أراد الخطيبان أن يفتتحا السهرة بالرقص المعهود، إذا ب «سوسنة» امتقع لونها فوقعت مغشيا عليها في وسط الديوان، فأسرع الناس حولها ونضحوا الماء على وجهها، فأفاقت بعد برهة.
فما شعرت بما جرى لها حتى علا وجهها الاحمرار خجلا فانتصبت مستميحة العذر لكثرة ما أصابها من التعب ذلك النهار، ثم جلست مكانها وأبت أن تركن إلى الراحة في غرفتها، بل أحيت ليلها رقصا مع الراقصين.
فلما قرب منتصف الليل والقوم في جلبة وبسط، وجهت «سوسنة» النظر إلى أختها كأنها تريد أن تبين لها أنها تقاسمها فرحا وتشاطرها سرورا، إلا أنها لم تبصر ب «وردة» فجعلت تسرح الطرف في المجلس قلقة، فلم تر لها أثرا، ثم قامت وسألت والديها ثم البارون «دي لينس» وبقية المدعوين أين أختها؟ فلم يحر أحد جوابا.
فهتفت سوسنة بصوت الكآبة واليأس: شقيقتي وردة شقيقتي ترى أين ذهبت شقيقتي؟!
نامعلوم صفحہ