قالت: لا عليك من ذلك يا فخر الدين، ودع لي تدبير الأمر كله. •••
واستسر النبأ فلم يدر به إلا بضعة نفر: شجرة الدر وفخر الدين والطبيب هبة الله والخادم سهيل، ثم الأمير حسام الدين بن أبي علي نائب الملك في القاهرة.
وحنط جثمان الملك الصالح وأودع صندوقا من خشب الصندل، ثم حمل في سفينة على النيل إلى القاهرة لا يدري أحد من ملاحيها ماذا تحمل؛ وأرسيت السفينة على ساحل جزيرة الروضة، وحمل الصندوق مغلفا بأسراره إلى القصر.
واستمرت الرسوم في القصر الملكي بالمنصورة جارية على عادتها، لم تتغير منها شيء مما يألفه الناس: ترفع الكتب والأحكام إلى القصر ليرى الملك فيها رأيه، فتخرج وعليها توقيع الملك برأيه وخطه، لا يشك من يراها أن الملك قد قرأها وجرى قلمه عليها بما جرى.
ويعد طعام الملك في موعده، ويمد سماطه ثم يرفع، لا يشك من يرى ذلك أن الملك قد أكل طعامه وشرب شرابه.
وتصدر الأوامر إلى الأمراء والقادرة ورؤساء الجند وعليها طابع الملك وخطه، لا يشك من تصدر إليه أنها أوامر الملك الذي يدين له الجميع بالولاء والطاعة.
ويستأذن عليه من يستأذن من أهله وخاصته وأصحاب الرأي في دولته؛ فيخرج إليه الحاجب معتذرا بأن الملك متعب ولا يستطيع أن يلقى أحدا.
شيء واحد أثار الريبة في نفوس بعض ذوي الإدلال من الخاصة، هو كثرة تردد الأمير فخر الدين على القصر مصبحا وممسيا، كأن له وحده الحظوة من دون الأمراء، وكان منذ قريب متهما يطلب الملك رأسه؛ لأنه لم يحسن الدفاع عن دمياط!
ماذا تغير من الأمر فدنا وحظي حتى ليس لأحد غيره من الأمراء في القصر حظوة ولا مكان؟
وتذكر من تذكر ما كان من مرض الملك وشكواه من علة في الصدر وقرحة في المأبض، ولحظ من لحظ أن الطبيب هبة الله يلزم القصر، ولكنه لا يكاد يخف إلى عمل أو يغادر حجرته.
نامعلوم صفحہ