8
لم يرده عن هذه المنزلة أنه عبد أسود أمي مشقوق الشفة لا يصلح للحمل ولا للمهنة!
أشرق وجه الملكة بابتسامة رضا، وهي تقول: صدقت يا أمير، وإن شجرة الدر بما بذلت للدولة وما تضمر من نية الإصلاح لأدنى منزلة إلى العرش من مثل كافور، ولكن ... - مولاتي! - إنني امرأة ذات حجاب يا فخر الدين، وليس يجمل بي ولا ينبغي لي - بعد الملك الصالح - أن أبرز إلى الرجال أو أشهد مجلس الحكم والمشورة. - إن أمراء دولتك يا مولاتي ليسدلون عليك الستر العالي من الإجلال والمهابة، فلو اتخذت أميرا منهم كبيرا لأمنائك لكفاك وجنبك أن تبرزي إلى الرجال أو تشهدي مجالسهم، وإن أمره في النهاية لمردود إليك، ومستمد منك؛ وإن شئت يا مولاتي كشفت الحجاب بينك وبينه على شرع الله وسنة نبيه.
9
أنغضت المرأة رأسها من حياء، ثم رفعته شامخة الأنف وقالت في كبرياء: فقد اخترتك كبيرا لأمنائي يا فخر الدين إن طاب لك أن تحمل هذه التبعة!
تعاقبت على وجه الأمير ألوان شتى، واصطرعت في رأسه خواطر جمة، وحضرته ذكريات وأماني، وانبهرت أنفاسه فلم يملك جوابا سريعا!
واستطردت الملكة: ولكن علينا قبل ذلك كله يا أمير أن ندبر أمرنا وأمر رؤساء المماليك وأمراء الجند، فإنه ليبدو لي أنهم - وقد مات مولاهم وولي أمرهم - قد يرون من حقهم أن يستشاروا، وقد بلغوا من الجاه والقوة مبلغا ينبغي أن يحسب حسابه.
قال فخر الدين: وماذا يعني هؤلاء المماليك يا مولاتي من ذلك الأمر، وإنما هم جند وحاشية، ليس عليهم إلا أن يسمعوا ويطيعوا! - بلى، إنهم جند وحاشية، فهل نسيت العدو الذي يتربص بنا يا أمير؟ فإن علينا أن نسترضي هؤلاء الجند قبل أن نقتضيهم حق الولاء والطاعة، لنطمئن إلى صدق بلائهم في قتال ذلك العدو.
ثم أطرقت الملكة هنيهة تفكر، وعادت تقول: وإني لأخشى إلى ذلك أن يدري أولئك الصليبيون بمهلك الملك الصالح، فيهتبلوا الفرصة قبل أن يستتب لنا الأمر، ويتوغلوا في البلاد فلا نستطيع لهم دفعا، والرأي عندي أن نكتم ذلك النبأ، فلا يدري به أحد ولا يعرفه العدو حتى نستطيع تدبير أمرنا معه.
قال الأمير مرتابا: ويمكن ذلك يا مولاتي؟!
نامعلوم صفحہ