ودفعت البصلة المقشورة التي أحضرتها معها من البيت على المنضدة في خوف، ووقف نيلي بجوارها ولم يقل شيئا، وكان شأنه معها أن يشد أزرها.
وانفجر الجزار قائلا: يا إلهي!
ولكنه استمر يعمل بمفرمتين ليفرم البصلة مع اللحم، وراقبته فرانسي وقد أعجبت بالضربات المنتظمة التي تحدثها نصال المفرمة، وجمع الجزار اللحم مرة أخرى ورمى به على الورقة وحملق في فرانسي، التي ابتلعت ريقها، كأن الأمر الأخير هو أصعبها جميعا، وكأن الجزار يعلم ما سيأتي، فوقف يرتعد من أعماقه، وقالت فرانسي في نفس واحد: وقطعة من الشحم لنحمرها بها.
وهمس الجزار في مرارة: سحقا لك!
وانتزع قطعة من الشحم الأبيض، وتركها تسقط على الأرض انتقاما، ثم التقطها وألقى بها فوق اللحم، ولفها في غضب شديد، ثم اختطف منها قطعة السنتات العشرة، وبينا هو يناولها إلى رئيس المحل ليزنها لعن الحظ الذي جعله جزارا.
وذهبا بعد شراء اللحم إلى محل هاسلر ليشتريا عظام الحساء، وكان هاسلر جزارا ممتازا في بيع العظام، أما بيع شرائح اللحم فلا؛ لأنه كان يفرمها خفية، ويعلم الله أي نوع من اللحم تأخذه منه، وانتظر نيلي خارج المحل ومعه لفة اللحم حتى لا يراه هاسلر، فيقول له في كبرياء أن يذهب ويشتري العظام من حيث اشترى اللحم.
وطلبت فرانسي قطعة عظام طيبة عليها شيء من اللحم لحساء يوم الأحد نظير خمسة سنتات، وجعلها هاسلر تنتظر ليروي لها النكتة المبتذلة عن الرجل الذي اشترى قطعة من لحم الكلاب بسنتين، وكيف أن هاسلر سأله: أيلفها له أم أنه يريد أن يأكلها هناك! وابتسمت فرانسي في خجل، وذهب الجزار المغتبط إلى الثلاجة وعاد ممسكا بقطعة عظام بيضاء لامعة، بداخلها نخاع سميك وتتعلق بطرفيها قطعة صغيرة من اللحم الأحمر؛ مما جعل فرانسي تعجب بها، وقال: بعد أن تطهي أمك هذه، أوصيها بأن تخرج منها النخاع وتبسطه على قطعة من الخبز، وتضع عليه شيئا من الملح والفلفل، وتصنع منه شطيرة طيبة لك. - سأقول لأمي. - وإنك إذا أكلتها كسا اللحم عظامك، ها ها ...
ولف العظام في الورقة وتسلم ثمنها، ثم قطع قطعة سميكة من مقانق الكبد وأعطاها لها، وشعرت فرانسي بالأسف لأنها خدعت ذلك الرجل الطيب، واشترت اللحم من محل آخر، لقد أساءت أمها كل الإساءة لأنها لا تثق باللحم المفروم الذي يبيعه.
وكان الليل لا يزال في أوله، وأنوار الشارع لم تشعل بعد، على أن بائعة الفجل كانت جالسة أمام محل هاسلر تهصر جذور الفجل الحريفة.
ورفعت لها فرانسي القدح الذي أحضرته معها من البيت، وملأته المرأة العجوز إلى النصف مقابل سنتين، واشترت فرانسي بسنتين خضرة للحساء من بائع الخضر، وشعرت بالسعادة بعد أن انتهت من شراء اللحم، وأخذت جزرة ناضجة وفرعا ذابلا من الكرفس، وقطعة من الطماطم اللينة، وحزمة من البقدونس الطازج، وكان هذا كله يغلي مع العظام فيخرج من هذا المزيج حساء دسم تطفو على سطحه قطع صغيرة من اللحم، ويضاف إليه الشحم وعجينة البيض، وهذا مع النخاع المبسوط على الخبز، خليق بأن ينتهي إلى غذاء شهي يوم الأحد.
نامعلوم صفحہ