شجرة تنمو في بروكلين

نوال السعداوي d. 1442 AH
133

شجرة تنمو في بروكلين

شجرة تنمو في بروكلين

اصناف

وكانت كلمة شحاذة تدوي في أذنيها طول الطريق وهي تسير في الممر، وكانت تلك البنات يشعرن أنهن أغنى من فرانسي، إنهن فقيرات مثلها، ولكن عندهن شيء ينقصها؛ الكبرياء. وعرفت فرانسي بذلك، لكنها لم تشعر بالندم لأنها كذبت وحصلت على الدمية بانتحال اسم مزيف، فقد دفعت كبرياءها ثمنا للكذبة والدمية معا.

وتذكرت المدرسة التي أوصتها بأن تكتب أكاذيبها بدلا من أن تقولها، وربما كان من الواجب عليها ألا تكذب في سبيل الدمية، وإنما تكتب عنها قصة، ولكن لا! لا! إن حصولها على الدمية أفضل من أية قصة تكتبها عنها، وأمالت فرانسي وجهها إلى جوار وجه الدمية حين وقفوا ختام الحفل، ينشدون جماعة نشيد «العلم المرصع بالنجوم».

وشمت فرانسي الرائحة الرقيقة الرطيبة التي تنبعث من الخزف الصيني المطلي، ورائحة شعر الدمية الرائعة التي لا تنسى، وشعرت بالنعيم لملمس الشاش الجديد الذي صنعت منه ملابس الدمية، ولمست رموش الدمية الحقيقية خدها، فانتفضت من البهجة والفرح وكان الأطفال يغنون:

على أرض الأحرار،

وفي وطن الشجعان.

وأمسكت فرانسي يد الدمية الصغيرة في قوة، وخفق شريان في إبهامها، وظنت أن يد الدمية اختلجت، فاعتقدت أنها دمية حقيقية أو كادت تكون كذلك.

وقالت لأمها إن الدمية أعطيت لها كجائزة، ولم تجرؤ على أن تقول الحقيقة؛ فقد كانت أمها تكره أي شيء يعطى من قبيل الصدقة، وهي خليقة بأن تلقي بالدمية بعيدا إذا عرفت سر الأمر، ولم يبح نيلي بسرها، وأصبحت الدمية ملكا لفرانسي، لكنها كانت تشعر بكذبة أخرى تثقل ضميرها، وكتبت في ذلك العصر قصة عن بنت صغيرة، كانت تصبو إلى دمية حتى إنها كانت على استعداد لأن تبذل روحها الخالدة للمطهر، بدلا من أن تبذلها في سبيل الخلود إذا استطاعت أن تحصل على الدمية، وكانت قصة جديدة، ولكن حين قرأتها فرانسي قالت بينها وبين نفسها: إن هذا هو عين الحق بالنسبة للبنت التي في القصة، ولكنه لا يخفف عني قط.

وفكرت في الاعتراف الذي ستبوح به يوم السبت المقبل، وصممت على أنه مهما يكن العقاب الذي يوقعه الأب فسوف تضاعفه ثلاث مرات ... لكن ذلك لم يخفف عنها.

وهنالك تذكرت أمرا! ربما تستطيع أن تصنع من الكذبة حقيقة! وكانت تعلم أن الأطفال الكاثوليك حين يثبتون في دينهم ينتظر منهم أن يستعيروا اسم قديس ويضعوه بين اسمهم ولقبهم، يا له من حل بسيط! إنها سوف تتخذ لنفسها اسم ماري حين تثبت في دينها.

وسألت فرانسي أمها في تلك الليلة بعد أن قرأت صفحة من الإنجيل وصفحة من شكسبير: أماه! هل لي أن أتخذ اسم ماري وأضعه بين اسمي ولقبي حين أثبت في ديني؟ - لا.

نامعلوم صفحہ