فقال العجوز باسما عن أنياب عتيقة: أتشك في ذلك يا بني؟
ضحك الصديق متسائلا: ألا يتوقع مني مثل ذاك القول الحكيم؟ - هذا أقل ما يقال! - شكرا. - عفوا. - يخيل إلي أني رأيت سيادتك قبل الآن؟ - يعرفني أهل الحي جميعا. - لست من أهل الحي فمعذرة، ولتحل بركتك بالبيت. - فلتحل به بركة الله الرحيم. - صديقي قلق وفي حاجة إلى من يشجعه. - علينا أن نذعن لمشيئة الله قبل كل شيء.
والظاهر أن قوله لم يبشر بالطمأنينة المفتقدة، فساد الصمت قليلا حتى خرقه الزوج قائلا: جئت لها بطبيبة ممتازة. - لم تكن توجد طبيبات في الزمن الماضي. - ذاك زمن مضى وانقضى. - أعرف زوجة ماتت في مستشفى خاص تحت إشراف ثلاثة أطباء! - أعوذ بالله! - فلا عاصم لنا إلا إرادة الله. - ولكني لم أخطئ باستدعاء الطبيبة!
وقال الصديق متضايقا: ما أجدر أن نتجنب ذكر الموت في موقفنا هذا.
فقال العجوز: ولكنه حديث كل يوم وكل ساعة.
فقال الزوج: هذا حق؛ ولكنه حديث غير محبوب ... - لم يا بني؟ - الموت لا يحبه أحد! - يا له من خادم أمين مظلوم! - مظلوم؟! - كيف تتصور الدنيا بغيره؟ - أفضل مما كانت معه عشرات المرات. - أنت مخطئ يا بني، مخطئ في حق ثائر عظيم. - ثائر عظيم؟! - بل زعيم الثوار في كل زمان ومكان. - لغة أي عصر هذه؟ - لغة العصر، لغة الغد ... - فلنختر حديثا آخر ... - ما جدوى الأحاديث المعادة؟ - أصارحك يا عماه بأنني لا أفكر إلا في سلامة زوجتي. - فلتحل بها بركة الله. - آمين. - ولكن خبرني هل جددت مقبرة الأسرة؟
فهتف الصديق: يا ألطاف الله!
وتساءل الزوج بامتعاض: من أخبرك أنني أفكر في ذلك؟ - تلك كانت رغبة أبيك لولا أن عاجله الموت. - أما أنا فلا يمكن أن أنفق مليما على تجديد مقبرة! - أحسنت.
وقال الصديق نافخا: إني أنذر جنيها إسترلينيا إذا تغير الحديث.
فقال العجوز دون مبالاة للمقاطعة: كلما رأيت مقبرة متجددة حزنت!
نامعلوم صفحہ