Secularism: Its Rise and Development
العلمانية - نشأتها وتطورها
ناشر
دار الهجرة
اصناف
ولكن الخطأ الذي يفسد هذه الفكرة ذاتها عنده يكمن في تحديده لخصائص كل مدينة، فهو يرى أن مدينة الله هي التي يحكمها آباء الكنيسة بخلاف مدينةالشيطان التي يسوسها رجال الدنيا، ثم إن الصورة التي تخيلها لمدينة الله موغلة في الخيال إلى درجة تجعل إمكان تطبيق نظريته عمليًا خارقة نادرة إن لم تكن مستحيلة (١).
أما النظرية الأكثر واقعية والتي سادت عمليًا طيلة فترة نفوذ الكنيسة، فالحكام في نظرها لا يشترط أن يكونوا رجال دين؛ ولكن يجب أن يخضعوا في ذواتهم لسلطة رجال الدين.
فعلى الرغم من قصور النظرية الكنسية وعجزها عن تنظيم شئون الحياة بسب تحريفها وإهمالها لشريعة الله ونظرتها الخاطئة إلى الحياة الدنيا، وإيمانها بقاعدة: "اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله" بالمدلول الخاص لهذه العبارة - على الرغم من ذلك فقد كان الملوك والأباطرة في القرون الوسطى يخضعون -في صورة ما- لرجال الدين، ولا يعدون أنفسهم مسيحيين فحسب، بل جنودًا للمسيحية -كما حدث في الحروب الصليبية- والخطأ الفادح جاء من قبل الكنيسة، إذ وجهت واستغلت عواطفهم الدينية لخدمة مصالحها الذاتية وجهدت في إخضاعهم لا لشريعة الله بل لأهواء البابوات (٢).
صحيح أن إيمانهم بالدين كان محصورًا في الحدود الضيقة التي رسمتها الكنيسة، ومشوبًا بالتصورات الوثنية، لكنهم كانوا يرون أنفسهم ملزمين بالأخلاق الدينية في تعاملهم السياسي - ولو ظاهرًا - لأن ذلك هو مقتضى كونهم مسيحيين.
(١) انظر معالم تاريخ الإنسانية: (٣/ ٧٢٤). (٢) انظر الطغيان السياسي من فصل الطغيان الكنسي بالباب الثاني (ص:١٣٣) السابقة.
1 / 210