ورد سلام، تهان وتعاز، تلغرافات شكر وتلغرافات معايدة، بطاقات، باقات زهور، سهرات، مجاملات ... لقد كركبنا الحياة كثيرا.
من أشهر رجال هذه البلدة حكيم اسمه الدكتور جميل كنعان. لقد عرفته منذ ربع قرن وعالجني موفقا. وحين رجعت من غربة هذه السنوات الكثيرة كنت أشتهي أن أراه لنتبادل كلمة «مرحبا»، على أنه وقد «قصر في السلام علي» أحب أن أؤكد لكم أنه لم يصبح من أعدائي. حين أجتمع به قد أعاتبه وقد لا أعاتبه. على كل حال طمئنوه أنني «مش رح قوسه.»
ما دامت بضاعته جيدة فلا أبالي إذا هو لم يناد علي: «تفضل يا خواجة.»
هنا تزدوج النصيحة، فهاكم توءم جمال خوفا من أن تطول القافلة. حذار أن تعجبوا بشخصين: الأديب وموظف الحكومة.
أما الإعجاب بالأديب فيرجع أمره إلى الماضي القريب يوم كان أكثرنا أميين، فسطع كل من نظم بيتا أو خط سطرا أو ألقى كلمة. صدقوني أيها الفتيان، إنه لا يستحق الإعجاب أكثر هذا الذي تقرءون وتسمعون. لقد سموا بحق «حملة أقلام». أكثر ما ينشر الفرق بينه وبين العادي والمبتذل أنه كلمات طبعت. لا تحسبوهم أبطالا هؤلاء الذين باعوا أقلامهم كما باعت البغي عرضها.
إن أقل ما في مقدوركم فعله هو ألا تحذوا حذوهم.
أما إن كان بينكم «فلتة» عبقري، فلست أرجوه أن يصم أذنيه عن سماعي؛ لأنه لاه عن الاستماع إلي وإلى سواي بالإصغاء إلى خفقات قلبه.
أما موظف الحكومة فيرجع عهد الإعجاب به إلى يوم كان الباشا باشا. صدقوني؛ إن هذه الهالة من العظمة التي تحيق بأي كان من موظفي الحكومة ستختفي.
وهذه النصيحة الأخيرة ما هي بجمل ، بل هي ناقة ذلول.
أعطوا شيئا من جهودكم وتفكيركم وأموالكم للخدمة العامة. أقول أموالكم؛ على العلم بأن أكثركم ليسوا بموسرين. ليس في الدنيا فقير، كلنا أغنياء. من ليس في قدرته أن يعطي المليون فليعط المائة ألف أو الليرة أو القرش الواحد. فقرنا ليس في الجيوب، بل هو في القلوب.
نامعلوم صفحہ