إني أجل الإسلام، وكذلك أجل المسيحية. في منزلي نسخة عربية من القرآن الكريم، ونسخة إنكليزية من التوراة المقدسة. حين أتوق إلى أن أسمو بعاطفتي وتفكيري إلى جو أثيري؛ فقد أجود القرآن، وقد أتغنى بالأسفار على حسب قرب أي من الكتابين إلى يدي، فكلاهما متساو في قربه إلى قلبي.
لو أنه أعطي لي شغف التمتع بروعة الخشوع في المعابد لما همني أن ركعت أمام المذبح أو أمام المحراب.
الإسلام شاسع الآفاق، وليس بمسلم من ينكمش في زاوية فيحمل جاره على أن ينكمش في زاوية.
العروبة قرة عين الإسلام، ومن أشد الناس ولاء للعروبة أناس ما هم بمسلمين. فيا أيها الفتيان الذين هم اليوم إلى الحياة واثبون؛ حذار أن تجعلوا من سلوككم حافزا لغير المسلمين الذين سكنوا دار العروبة أن يشعروا أنهم ضيوف مكرمون، ولكنهم ليسوا من أصحاب الدار، وأما الذين لم يدخلوها، فاسمعوهم النداء بالصوت العذب والقول الجميل:
ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم .
ولا ريب أن في كل طائفة وفي كل بلد وأمة مجرمين يقتاتون بالضغينة، ويزدهرون في العداء. هؤلاء الضالون نراهم قبالتنا، ولكننا نراهم كذلك على جانبينا لو تلفتنا يمنة ويسرة. وما نحن متطلعون إلى آفاق جديدة؛ إذ نقصر عليهم نظرنا. وما هو بعادل من يشير إلى القبيح الذي يواجهه، ولا يشير إلى القبيح الذي يكاتفه.
وإني أريد أن أضع روحي على كفي فأبحث بصراحة وصدق موقف اللبناني الصميم ، الذي هو كذلك عربي صميم من لبنان والعروبة. نحن في هذا البلد لم نعتد الروية، ولم نألف عمق التفكير، ولم نمارس النزاهة العقلية. العقائد الكبرى كالشخصيات الكبرى ما هي بمواد أولية خالصة، بل هي في معظم الأحيان مركب من مختلف العناصر بينها متناقضات. الشخص الذي يوصف بكلمة ما هو في غالب الأحيان بشخص عظيم، والعقيدة التي تشرح بعبارة ما هي بعقيدة ذات بال.
ليس لبنان بقصيدة زجلية أو موال عتاب. قبل أن يصبح لبنان دولة كان لبنان ولما يزل بعض أرواحنا، لبنان هو واقعي كقبضة من ذهب، غريزي كحب الأم، جميل كرؤيا.
أنا لبناني إذن فأنا عربي، أنا لبناني عربي، إذن فمن النكبة علي أن تكون هذه القطعة من الدنيا من طوروس إلى العريش، ومن المتوسط إلى الصحراء غير وحدة سياسية لا تتجزأ، غير أن النكبات على درجات! سيظل لبنان دولتي، ودستوره دستوري، وعلمه علمي، ولن أفكر بتغيير ما ولن أطمح إليه، ولن أقبل به حتى أسمع أصوات المطالبة بالتغيير ترتفع من باحات بشراي وزغرتا والنداء للوحدة ينطلق من أجراس كنائس بكفيا ودير القمر. وفيما أنا أرهف أذني لسماع هذه الأصوات أعلم علم اليقين أنني أخدم العروبة بأن أبقى لبنانيا صميما، أضع كتفي إلى أكتاف جيراني، وأشد أواصر الأخوة ما بيني وبينهم.
إن سمو الخلق يبلغ ذروته حين لا يضل الرجل عن الجمال فيما يستقبحه، والقبح فيما يستحبه، وإن التفكير يبقى عاديا حتى يضع المستقرئ أمام عينيه مجهرا يريه في اللون الواحد كل أظلة اللون. أما أن نندفع في التعصب، فيلون نظرنا ما نرى، حينئذ نصبح كدراويش الهند يرقصون سكارى بخمر يستقطرونها من جنبات نفوسهم، وعبدة أوهام يتمتعون في نعمة العيش، ولكن الأوهام لا تدوم.
نامعلوم صفحہ