وأما قول المخالف : إن لفظ الاستواء إذا قيد ب( على ) فإن معناه الارتفاع والعلو بإجماع أهل اللغة فباطل إن أراد الارتفاع والعلو المكاني الحقيقي في أي لفظ لأن الجوهري نص في الصحاح على أن الاستواء يأتي بمعنى الإستيلاء وإن عدي بعلى ، واستشهد صحاب الصحاح الذي هو من أئمة اللغة بقول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق
وهذا الشعر الذي هو من لغة العرب يدل على أن الاستواء هنا بمعنى الاستيلاء لأن القول بأن الاستواء هنا حقيقة محال ؛ إذ كيف يستقر بشر على دولة العراق حقيقة ! بل المراد أنه استولى على العراق من غير نزاع ، فأين إجماع أهل اللغة ؟ أم أنه استقرار يليق بجلالة بشر؟!!
ثم كيف تقول أجمعوا ثم تنص على واحد تزعم أنه أنكر وجود استوى بمعنى استولى مع أن إنكاره لا يضر إذ كان المثبت له دليل على قوله، ومع إننا إذا سلمنا فلم يجمعوا بأن معناه الارتفاع حقيقة وإذا قلت بل على حقيقته، قلنا: وبملامسة من دون انفصال بحيث يكون آخر جزء ملامس لأول جزء من الشيء المرتفع، ثم هل عندك أن استواء الله كاستواء المرء على ظهر الحمير ؟ لأن الاستواء على ظهر الحمير هو بملامسة وفي مكان وجهة فهل تقول كذلك في الله ؟ إن قلت : نعم ؛ كفرت ، وإن قلت : لا ؛ فكيف صح لك الاستشهاد بالآيتين وبقوله تعالى : (( واستوت على الجودي )) [ هود : 44 ] إذ ليس معنى ارتفاعها وعلوها مطلق الارتفاع والعلو ، بل ارتفاعها مع الملامسة وكونها في جهة ومكان الذي هو الجبل المعروف بالجودي في العراق .
قال المخالف : ولم يذكر في موضع واحد أن معناه استولى .
صفحہ 11