وقف الاثنان متقابلين، يبدلون ما بين النظر إلى بعضهما البعض، وما بين التطلع في حيرة إلى اللافتة التي يحملها ذلك الشاب، لم يعرف أي منهما ما إذا كان هو المقصود بها أم الآخر، توقفا عن النظر ناحية اللافتة وثبتا نظراتهما تجاه بعضهما البعض، استغرق كلاهما في التحديق في عين الآخر لثوان، بينما تتسارع هرولة المسافرين من حولهما مع تحرك القطار مغادرا المحطة، كانت نظراتهما فارغة وذاهلة، كانت نظراتهما حائرة كيفما تبلغ الحيرة منتهاها، ثم في اللحظة ذاتها، وكأنما كان بينهما اتفاق مسبق؛ التفت كل منهما إلى الاتجاه المعاكس تماما، وسار مبتعدا عن الآخر بخطى سريعة ثابتة دون أن تفلت من أيهما أدنى التفاتة إلى الخلف، لم يكن ذلك الشاب الذي يحمل اللافتة يعرف، ولم يكن أي منهما كذلك يعرف على وجه اليقين أيهما هو ياسين عمران، إلا أن كليهما دارت برأسه تلك الأبيات التي سمعها ذات يوم من منشد ما في حضرة مولد ولي ما:
فؤاد به شمس المحبة طالع
وليس لنجم العذل فيه مواقع
صحا الناس من سكر الغرام وما صحا
وأفرق كل وهو في الحان جامع
هوى وصبابات ونار محبة
وتربة صبر قد سقتها المدامع
ولي طمع بين الأجارع عهده
قديم وكم خابت هناك المطامع
أجر ذيول اللهو في ساحة اللقا
نامعلوم صفحہ