وهذا الإمام أحمد صبر وحده مع عدد قليل من العلماء ، فكيف لو أن جمهور العلماء في عصره تكاتفوا ولم يخذل بعضهم بعضا بالاستجابة ؟ إذا لكان رد فعل أهل البدع أضعف لأنهم يعرفون أن الأمة تقدم علماءها الصادقين في مرجعيتهم ولا تستبدل بهم أحدا .
والذي أريد قوله أن علينا أن لا نضعف إذا حقق أعداء الدعوة من العلمانيين وغيرهم مكسبا ، أو ظهروا على مؤسسة معينة ، بل يجب أن يزيد ذلك من تمسكنا ويضاعف قوة دعوتنا بالحكمة والعقل ، لأنها معادلة لا تتخلف ( أنه لاتنجح دعوة باطلة إلا لضعف دعوة الحق ) فالخلل منا أولا ونحن أولى بنقد أنفسنا .
4. دور المأمون في الفتنة :
نلمح بجلاء من دراسة المحنة أن المأمون كان مخدوعا بعلماء البدعة يزينون له الباطل حتى ظنه حقا ، فهو قد يكون معذورا من هذه الجهة ، وعليه لابد أن نطلب العذر للسلطان في ما يعمل مما يظنه حقا وهو على خلافه ، لا أن نجعل ذلك حجة للطعن في نواياه وتضخيم خطئه حتى نجعله عدوا للإسلام والمسلمين ، بل نوازن بين الحسنات والسيئات ، ونعامله بالشرع وإن لم يعاملنا هو به .
فهذا الإمام أحمد عفى عن المعتصم وأحله من ضربه ، مع أنه ضربه ضربا لو كان على فيل لهده كما ذكر بعضهم(1)، ومع ذلك عفا عنه لما فتح عمورية ، ولأنه عرف أنه مخدوع بما يزين له علماء السوء .
صفحہ 34