إنني أنحى باللائمة في ضعف الدعوة وازدياد أعداد التائهين على طلاب العلم ، بل على كل من في يده أن يقدم شيئا فتكاسل ، إهداء شريط أو كتيب ، أمر بمعروف ونهي عن منكر ، صدقة جارية ، نشر أسماء المنشورات الإعلامية وتعريف الناس بها وحثهم على شرائها ودعمها ، الامتناع عن شراء صحف ومجلات غير شرعية تدس السم في العسل ، حضور المحاضرات والدعوة لها ، نصح الجار والقريب والصديق وصلة الأرحام وغير ذلك ، كل هذا دعوة غفل الكثير منا عنها وتكاسل ، فإلى متى النوم يا إخوتاه ؟ .
ألم نر كيف اعتمد الإمام أحمد في صموده على تلك المرتكزات التي ذكرتها في تحقيق مكاسبه على أهل البدع : الموروث السلفي للمجتمع ، وأن دعوته لها اصل بعكس دعوة المبتدعة ، والتزام الناس بالعلماء الثقات كمرجع لهم في أمور دينهم ، ولو لم تكن لهم في قلوبهم تلك المكانة لما احتاج المأمون لإجبار علماء السنة على القول ببدعته وعنده علماء سوء من أهل البدع يكفونه هذه المهمة .
3 . هل بعد الشر من خير ؟
نعم بل كل الخير!، بعض الدعاة إذا نظر إلى تكالب المحن بالأمة، أو رأى العلمانية تحقق انتصارا حسب أن العجلة دارت ضده ولن تدور معه أبدا ، فأصابه اليأس ، وهذا خطأ ، ولنأخذ درسا من محنة الإمام أحمد ، ألم تر كيف أنه لما صبر بدل الله حال الأمة ونصر السنة وعادت الدعوة أنشط والسنة أظهر والبدعة أخذل وأخزى مما قبل الفتنة .
فالفتن عادة تنشط الأمة وتنبهها إلى أصولها حتى لا تنساها ، وهو رد فعل طبيعي ، لأن أصل فطرة المسلم وأصل تلقيه هو السنة ، وما يظهر عليه من المعاصي إنما هو قشرة لا تلبث أن تنقشع إذا أحس المسلم أن دينه وأصوله مرادة لذاتها ، وهذا من نعم الله غير المشكورة .
صفحہ 33