فقال عمر: أردت أن يستفزني الشيطان بعزَّة السلطان، فأنال منك اليوم ما نال مض غدا انصرف رحمك الله. قال رجاء بن حيوة لعبد الله بن مروان في أسره ابن الأشعث، إن الله قد أعطاك ما تحب من الظفر، فأعط الله من ما يحب من العفو. قال المأمون لإبراهيم بن المهدي: إني شاورت في أمرك فأشاروا علي بقتلك، إلا أني وجدتُ قدرك فوق ذنبك، فكرهت القتل للازم حرمتك.
فقال يا أمير المؤمنين: إن المُشار أشار. مما جرت به العادة في السياسة، إلا أنك أبيت أن تطلب النصر إلا من حيث عودته من العفو، فإن قتلت فلك نظير، وإن عفوت، فلا نظير لك، وأنشأ يقول: [البسيط]
البرُّ بي منكَ وطَّا العذرَ عندكَ لي ... فما فعلتَ فم تعدلْ ولم تلمِ
وقامَ عذركَ لي فاحتجَّ عندكَ لي ... مقامُ شاهد عدلٍ غيرَ متَّهمِ
لئنْ جحدتُكَ ما أوليتَ منْ نعمٍ ... إني لفي اللومِ أولى منكَ بالكرمِ
تعفو بعدلٍ وتسطو إن سطوتَ به ... فلا عدمناكَ من عافٍ ومنتقمِ
قال بعض البلغاء: الوجوه مرايا تريك أسرار البرايا قال حكيم: العينان أنم من اللسان. وقال بعض الشعراء في ذلك المعنى:
تُريك أعينهمْ ما في صدورهم ... إن العيونَ يؤدي سرَّها النَّظرا
قال النبي ﷺ: "في المعاريض مندوحة عن الكذب".
وسأله رجل كن أنت؟ فقال: "من ماء وطين".
الرجل إنه من القبيلة المنسوبة إلى ماء، ولم يكن يعرفه، وهو ﵇، أراد من الماء الذي يخلق منه الحياة. قال بعض الحكماء: الناس في الدنيا كصور في صحيفة، كلما نشر، بعضها طوي بعضها، أسر معن بن زئدة ثلاثمائة رجل، وأمر بضرب أعناقهم، فقام إليه غلام منهم.
فقال: يا معن لا تقتل أسراك عطاشًا، فقال اُسقوهم، فلما اسقوهم، قال له: يا معن لا تقتل أضيافك، فقال خلوا عنهم، وأطلقهم، حكى أن مجنون ليلى لما طردوه عن الحي، قيل إنه آيس من لقائها، واستأنس يبعدها ونأيها فأنشد: [الوافر]
أليسَ الليلُ يجمعني وليلى ... كفاكَ به وذاكَ لنا تداني
ترى وضحَ الهلالِ كما أراهُ ... ويعلوهَا النهارُ كما علاَني
وفي معناه: [الطويل]
أقلِبُ طرْفي في السماءِ لعلُّهُ ... يصادفُ منها نظرةً حينَ ينظرُ
قال بعض الحكماء: إياك، والعجلة فإن العرب تسميها أم الندامات، لأن صاحبها يقول: قبل أن يعلم، ويجيب قبل أنأ يفهم، ويعزم قبل أن يفكر، ويحمد قبل أن يجرب، ومن صحب هذه الأخلاق صحب الندامة، واعتزل السلامة، قيل إن الله (!) لم يخلق شيئًا، والمعروف أحسن منه إلا الشكر، فإنه أحسن من المعروف.
قال عبد الله بن العباس المعروف أوثق الحصون، وأفضل الكنوز، وأزكى الزروع، غير أنه لا يصلح إلا بثلاث: هي تعجيله، وتصغيره وسترهُ فإنك إذا عجلته هنأته، وإذا صغرته عظمته، وإذا سترته تممته. لما حبس الرشيد يزيد بن جرير أمر إحضاره لتأديبه، فلما مثل بين يديه، قال: يا أمير المؤمنين، كذي نعمتك وسليل منتك وخريج دولتك، فجزاك الله قي وقت الغضب جزاء الكاظمين وعند الرضاء أمر المنعمين، فاستحسن قوله، وأمر بإطلاقه لبعضهم: [الكامل]
شيئانِ لو بكتِ الدماء عليهما ... عينايَ، حتى يؤذنا بذهابِ
لم يبلُغَا المعشارَ مِنْ حقيهِمَا ... فقدُ الشباب وفرقهُ الأحبابِ
للمعري: [الخفيف]
حيِّ منْ أجلِ أهلهن الديارا ... وابك هندًا لا للنؤى والآثارا
فهي قالتْ لما رأت شيْبَ رأسي ... وأرادَت تعتُّبَا وازورارا
أنتَ بدرُ وقد بدا الصبحُ في رأسكَ ... والصبح يطردُ الأقمار
حكى الأصمعي قال: أتى عبد الملك بن مروان برجل قامت عليه البينة بسرقة فأمر بقطعه، فقال الرجل: يدي يا أمير المؤمنين أعندها يعفوك أن تلقى مكانًا يشينها:
فلا خيرَ في الدنيا ولا نعيمها ... إذا ما شمالٌ فارقتها يمينُها
فقال عبد الملك: هذا حدٌّ من حدود الله أقامه عليه، فقال: يا أمير المؤمنين فاجعله من بعض ذنوبك، إلى تستغفر الله فيها فأطلقه. قبل: أنه كان لمحمد بن حميد بنت فتوفيت، فدخل عليه أبو تمام الطائي، فقال ما أقدمك يا أبا تمام؟ فقال: تعزية الأمير، فقال: أو ما علمت أني لا أقبل العزاء؟ قال: فأنشدُك بيتين من الشعر، فقال: وما هما
1 / 35