قال بعض الحكماء ذك قلبك بالأدب، كما تُذكى النار بالحطب، وقد قيل إن الأدب أحد المنصبين، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ العاجز من عجز عن سياسة نفسه، بعض الحكماء قال: من ساس نفسه ساد نفسه، وقال الأحنف بن قيس من ظلم نفسه كان لغيره أظلم، ومن هدم مجده كان لمجد غيره أهدم، قال بعض الحكماء: من رضى عن نفسه أسخط عليه الناس، وقال كشاجم: [الكامل]
لم أرضَ عن نفسي مخافة سخطها ... ورضي الفتى عن نفسه إغضابُهَا
ولو أنني عنها رضيتُ لقصرتْ ... عما تزيدُ بمثله آدابُها
وتبينتْ آثارَ ذاكَ فأكثرتْ ... عذلي عليه وطال فيه عتابُها
قال النبي ﷺ لعِّمه العباس: "أنهاك عن الشرك بالله، والكبْر فإن الله ﷿ يحتجب منها".
نظر مطرف بن عبد الله السخير إلى المهلب بن أبي صفرة وعليه حلة يسحبها، ويمشي الخيلاء، فقال له: يا عبد الله ما هذه المشية، التي يبغضها الله ورسوله؟، فقال ته المهلب: أو ما تعرفني؟ قال: بلى أنت الذي أوَّلك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وحشوك بين ذلك بولٌ وعذرة، قال ابن المعتز، لما عرف أهل النقص حالهم عند ذوي الكمال، استعانوا بالكبير ليعظم صغيرًا. ويرفع حقيرًا وليس بفاعل، وقال بزرجمهر: النعمة، التي لا يحسد عليها صاحبها هي التواضع، والبلاء الذي لا يرحم منه صاحبه العجب، ذكر عمر بن حصن أنه قيل للحجاج، كيف وجدت منزلك بالعراق؟ فقال: خير منزل لو كان الله سبحانه ملكني فيه أربعة نفر أتقرب إليه بدمائهم، قيل، ته، ومن هم؟ قال: مقاتل بن مسمع، والي سجستان، فأتاه الناس فأعطاهم الأموال، فلما غزل دخل مسجدا بالبصرة، فبسط له الناس أرديتهم، فمش! ى عليها وقال لرحل يماشيه: لمثل هذا فليعمل العاملون، وعبيد الله بن زياد بن ظبيان التميمي جرى لأهل ١٦٥١ البصرة أقر، فخطب خطبة أوجز فيها فتنادى الناس من أعراض المسجد، كثر الله فينا أمثال فقال: لقد كلفتم الله شططًا، ومعبد بن زرارة كان ذات يوم جالسا في الطريق فمرت به امرأة فقالت يا عبد الله كيف الطريق؟.
فقال لها: يا هذه مثلي يكون عبد الله، وأبو سمَّاك الأسدي أضل راحلته فالتمسها الناس، فلم يجدوها فقال: والله لئن لم تردنا فتى لا صليْتُ له أبدًا، فالتمسها الناس فوجدوها، فقالوا قد ردَّها الله فضل فقال: إن يميني يمين مصر.
قال ابن السمَّاك لعيسى بن موسى: تواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك، قال ابن المقفع: قابل المدح، كما دح نفسه، وقال بعض الحكماء من رضي أن يمدح بما ليس فيه، فقد أمكن الساخر من نفسه لبعضهم: [البسيط]
يا جاهلًا غرّهُ إفراطُ مادحهِ ... لا يغلبَّن جهلُ من أطراكَ علمك بكَ
أثنى وقالَ بلا علمٍ أحاطَ بهِ ... وأنتَ أعلمُ بالمحصولِ منْ قبلكِ
وما شرفٌ أن يمدحَ المرء نفسه ... ولكنّ أعمالًا تذمُّ، وتمدحُ
وما كلُّ خيرِ يصدقُ المرء ظنه ... ولا كلُّ أصحاب التجارة تمدحٌ
ولا كلُّ من ترجو لغيبكَ حافظًا ... ولا كلُ من ضمَّ الوديعة يصلحُ
قال بعض البلغاء: حياة الوجه بحائه، كما أن حياة بمائه، وقال آخر: من كساه الحياء ثوبه لم يرى الناس عيبه. للشاعر: [الوافر]
إذا لمْ تخشَ عاقبةَ الليالي ... ولمْ تستح فافعلْ ما تشاءُ
فلا، والله مافي العيش خيرٌ ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
قال النبي ﷺ: "من ألقى جلبابالحياء فالغيبة له".
وقال بشار بن برد: [الخفيف]
ولقد أصرفُ الفؤاد عن الشيء ... حياءً وحيهُ في الفؤادِ
أمسكَ الناس بالعفاف وأمسي=ذاكرًا في غدٍ حديثَ الأعادي آخر: [الوافر]
وربَّ قبيحةٍ ما حالَ بيني ... وبينَ ركوبها إلا الحياءُ
إذا رزقَ الفتى وجهًا وقاحًا=تصرَّفَ في الأمورَ، كما يشاءُ قال بعض الأدباء: من عمل في السر عملًا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر، قال علي بن أبي طالب ﵇: أول عوض الحليم عن حلمه [٦٦] أن الناس أنصاره على عدوه، واغتاضت عائشة ﵁ على خادم لها، ثم رجعت إلى نفسها فقالت: لله در التقوى ما ترك لذي غيضِ نفسًا، وقال بعض البلغاء: أحسن المكارم عفو المقتدر وجود المفتقر، وقد أحسن الشاعر حيث قال: [البسيط]
1 / 33