روم
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
اصناف
39
وهكذا، فإن الدوافع التي حملت الخليفة عمر في مؤتمر الجابية أن يمنح عمرا سلطة فتح مصر؛ كانت دوافع جوهرية، ولم يكن هذا الخليفة الكبير مغامرا؛ فإنه عرف بحبه للتأني، وحرصه على أن لا يعرض قواته للخطر؛ ولهذا يجب إعادة النظر في الكتاب الذي قيل: إنه أرسله إلى عمرو، وعمرو في طريقه إلى مصر، يأمره فيه بالعودة إن لم يكن قد وصل إلى مصر أو بالسير قدما في وجهته إن كان قد دخل الأرض المصرية عند تسلمه الكتاب؛ فهذا قول لا تشجع الحوادث على قبوله، ولا يتفق وما عرف من كياسة عمر الخليفة الكبير.
40
وسار عمرو بن العاص من قيصرية فلسطين إلى مصر في كانون الأول من السنة 639، على رأس بضعة آلاف مقاتل، فلقي مقاومة في الفرما
شرقي بورسعيد أوقفته شهرا كاملا، ثم تغلب عليها في أوائل السنة 640، وتقدم منها إلى بلبيس، فأم دنين
Tendounya ، فتحصن الروم في حصن بابليون على رأس الدلتا، وعسكر العرب في عين الشمس
Heliopolis ، واشتدت مقاومة الروم برئاسة البطريرك كيروس «المقوقس» وقيادة ثيودوروس أخي الفسيلفس، واستنجد عمرو الخليفة فأمده ببضعة آلاف رجل بقيادة الزبير بن العوام، وبرغم تضاعف القوة فإن العرب المسلمين لم يقدروا على مهاجمة الحصن؛ لأنه كان منيعا، ولأنهم كانوا في فقر إلى أدوات الحصار، فاكتفوا بسد المنافذ على الحصن، وطال الحصار بضعة أشهر، وكانت مفاوضات بين كيروس وعمرو، وسافر كيروس إلى القسطنطينية؛ ليعرض نتيجة هذه المفاوضات على الفسيلفس، فاتهمه هذا بالخيانة ونفاه، وتوفي هرقل في الحادي عشر من شباط سنة 641، فانبعثت اختلافات داخلية قديمة، حالت دون إرسال المدد إلى حصن بابليون، فدخله العرب في السادس من نيسان من هذه السنة نفسها.
41
وبسقوط حصن بابليون مفتاح مصر السفلى والعليا انتشر العرب في ريف مصر السفلى، وتجمعت حاميات الروم بالإسكندرية، فسار عمرو بن العاص لمحاصرتها، وكانت حصونها منيعة تحميها غياض وبحيرات، وكان البحر لا يزال بيد الروم فكان يأتيها منه المدد، فطال أمر حصارها. وخلف هرقل ابنه قسطنطين الثالث، وكان لا يزال حدثا وشاركته والدته مرتينة في الحكم. وكثرت القلاقل في عاصمة الروم، واستفحل أمر اللومبارديين في إيطالية، فأعادت مرتينة البطريرك كيروس إلى الإسكندرية؛ ليفاوض العرب في الصلح، فلما بلغها سار توا إلى بابليون وفاوض عمرو بن العاص، فانتهى الأمر بينهما إلى صلح الإسكندرية في الثامن من تشرين الثاني سنة 641. وأبرز شروط هذا الصلح الجزية لمن بقي في مصر، والأمن لمن رحل عنها، والهدنة أحد عشر شهرا؛ ليتسنى للجيش ولغيره من المدنيين الرحيل.
42
نامعلوم صفحہ