روم
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
اصناف
تمهيد
الباب الأول: المقدمة
1 - تقهقر رومة الداخلي وأزمة القرن الثالث
2 - ظهور النصرانية وانتشارها
3 - الدولة الساسانية
الباب الثاني: أصل الدولة ومنشأها
4 - قسطنطين الكبير والقسطنطينية
5 - قسطنديوس الثاني ويوليانوس الجاحد
6 - ثيودوسيوس الكبير
7 - ظهور الرهبانية وانتشارها
نامعلوم صفحہ
الباب الثالث: المحنة الأولى: تدفق البرابرة وتفرق النصارى
8 - أركاديوس الأول وثيودوسيوس الثاني
الباب الرابع: تطور النظم وتمشرق الفكر والفن والدولة
9 - أباطرة النصف الثاني من القرن الخامس
10 - تمشرق الفكر والفن والدولة
الباب الخامس: كرامة ومجد وعظمة
11 - يوستينوس ويوستنيانوس
12 - خلفاء يوستنيانوس
13 - الفكر والفن في القرن السادس
الباب السادس: تطور وتغيير في عناصر الشعب، وفي حدود الملك وأنظمته
نامعلوم صفحہ
14 - هرقل والفرس والصقالبة والآفار
15 - هرقل والعرب
16 - خلفاء هرقل
17 - تطور وتغيير
18 - الآداب والعلوم والفن في القرن السابع
الباب السابع: انتعاش وتوطيد واستقرار
19 - الأسرة الإسورية أو السورية
20 - خلفاء الإسوريين والأسرة العمورية
21 - العلم والأدب والفن في القرنين الثامن والتاسع
الباب الثامن: الأسرة المقدونية والظفر والعظمة والمجد
نامعلوم صفحہ
22 - توطيد الملك: باسيليوس الأول ولاوون السادس
23 - النهوض بالدولة: قسطنطين السابع ورومانوس ليكابينوس
24 - هجوم عظيم، ونصر مبين
25 - التوقف عن التوسع وانتهاء الأسرة المقدونية
26 - أسس الدولة ونظمها في القرنين العاشر والحادي عشر
27 - الآداب والفنون في عهد الأسرة المقدونية
الباب التاسع: تأخر الدولة وانحطاطها
28 - الفوضى والفتن الداخلية
29 - أليكسيوس الأول كومنينوس
30 - خلفاء أليكسيوس كومنينوس
نامعلوم صفحہ
الباب العاشر: تفكك وانهيار
31 - أسرة أنجيلوس
32 - إمبراطورية نيقية
الباب الحادي عشر: اليقظة الأخيرة وإخفاقها
33 - دولة صغيرة إرثها كبير وظرفها خطير
34 - أندرونيكوس الثالث ويوحنا السادس
35 - الأتراك العثمانيون في أوروبة
الباب الثاني عشر: النهاية
36 - الروم وبايزيد ومحمد
37 - علوم الروم وثقافتهم في دورهم الأخير
نامعلوم صفحہ
38 - يوحنا الثامن وقسطنطين الحادي عشر
ملحق
تمهيد
الباب الأول: المقدمة
1 - تقهقر رومة الداخلي وأزمة القرن الثالث
2 - ظهور النصرانية وانتشارها
3 - الدولة الساسانية
الباب الثاني: أصل الدولة ومنشأها
4 - قسطنطين الكبير والقسطنطينية
5 - قسطنديوس الثاني ويوليانوس الجاحد
نامعلوم صفحہ
6 - ثيودوسيوس الكبير
7 - ظهور الرهبانية وانتشارها
الباب الثالث: المحنة الأولى: تدفق البرابرة وتفرق النصارى
8 - أركاديوس الأول وثيودوسيوس الثاني
الباب الرابع: تطور النظم وتمشرق الفكر والفن والدولة
9 - أباطرة النصف الثاني من القرن الخامس
10 - تمشرق الفكر والفن والدولة
الباب الخامس: كرامة ومجد وعظمة
11 - يوستينوس ويوستنيانوس
12 - خلفاء يوستنيانوس
نامعلوم صفحہ
13 - الفكر والفن في القرن السادس
الباب السادس: تطور وتغيير في عناصر الشعب، وفي حدود الملك وأنظمته
14 - هرقل والفرس والصقالبة والآفار
15 - هرقل والعرب
16 - خلفاء هرقل
17 - تطور وتغيير
18 - الآداب والعلوم والفن في القرن السابع
الباب السابع: انتعاش وتوطيد واستقرار
19 - الأسرة الإسورية أو السورية
20 - خلفاء الإسوريين والأسرة العمورية
نامعلوم صفحہ
21 - العلم والأدب والفن في القرنين الثامن والتاسع
الباب الثامن: الأسرة المقدونية والظفر والعظمة والمجد
22 - توطيد الملك: باسيليوس الأول ولاوون السادس
23 - النهوض بالدولة: قسطنطين السابع ورومانوس ليكابينوس
24 - هجوم عظيم، ونصر مبين
25 - التوقف عن التوسع وانتهاء الأسرة المقدونية
26 - أسس الدولة ونظمها في القرنين العاشر والحادي عشر
27 - الآداب والفنون في عهد الأسرة المقدونية
الباب التاسع: تأخر الدولة وانحطاطها
28 - الفوضى والفتن الداخلية
نامعلوم صفحہ
29 - أليكسيوس الأول كومنينوس
30 - خلفاء أليكسيوس كومنينوس
الباب العاشر: تفكك وانهيار
31 - أسرة أنجيلوس
32 - إمبراطورية نيقية
الباب الحادي عشر: اليقظة الأخيرة وإخفاقها
33 - دولة صغيرة إرثها كبير وظرفها خطير
34 - أندرونيكوس الثالث ويوحنا السادس
35 - الأتراك العثمانيون في أوروبة
الباب الثاني عشر: النهاية
نامعلوم صفحہ
36 - الروم وبايزيد ومحمد
37 - علوم الروم وثقافتهم في دورهم الأخير
38 - يوحنا الثامن وقسطنطين الحادي عشر
ملحق
الروم
الروم
في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
تأليف
أسد رستم
تمهيد
نامعلوم صفحہ
الروم عند العرب قبل الإسلام وبعده هم الرومان وخلفاؤهم البيزنطيون، والبيزنطيون عند أنفسهم روم؛ أي رومان، وعاصمتهم «رومة الجديدة»؛ أي القسطنطينية، ولا يزال الروم الأرثوذكس يدعون القسطنطينية مركز البطريرك المسكوني «رومة الجديدة» حتى يومنا هذا.
واللفظ روم في نقوش الصفا اسم بلاد واسم شعب، فقد جاء في أحد نقوش الصفا أن: «عثمن بن طمثن بن عضضة نفر من «روم».» وجاء في نقش آخر أن «محور بن غطفن بن أذنة صير بفنجة سنة حرب الجدي «آل روم» ببصره.»
1
وجاء في القرآن الكريم في سورة الروم:
غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون .
وأنفع التواريخ تاريخ الفكر، وألمع فصل في تاريخ الفكر البشري تاريخ الفكر عند اليونان الأقدمين، وأفضل فضائل هؤلاء عنايتهم بالإنسان وسعيهم لإسعاده سعادة حقيقية، وأكبر خدمة قدمها الرومان أنهم تبنوا ثقافة اليونان وقالوا بها، وفضل الروم على البشرية أنهم حملوا هذه الثقافة وحموها في عصر الظلمات فحفظوها لنا في نصوصها الأصلية وأضافوا إليها. ولا سبيل لفهم تاريخ العرب فهما كاملا إلا بالاطلاع على تاريخ الروم، فما جرى في سوريا والعراق ومصر في السياسة والحرب والحضارة والثقافة تأثر كثيرا بما كان يجري في القسطنطينية وغيرها من أمهات مدن الروم.
والمراجع الأولية لتاريخ الروم متنوعة: منها التواريخ التي صنفت في الأزمنة المعاصرة لوقوع الحوادث، أو بعدها بقليل، ومنها الرسائل الدبلوماسية التي تبودلت في تلك العصور بين الروم وغيرهم من الشعوب والدول، ومنها القوانين التي اشترعت والنقوش الكتابية التي نصبت والنقود التي سكت. ومنها كذلك ما صنف خصوصا للبحث في أخبار الكنيسة.
وما تبقى من التواريخ محفوظ في مجموعة نيبور - إذا جاز هذا التعبير - التي نشرت في تسعة وأربعين مجلدا في بون ما بين السنة 1828 والسنة 1878،
2
ونصوص هذه التواريخ نفسها محفوظة أيضا في مجموعة مين في مائة وواحد وستين مجلدا، وقد نشرت هذه المجموعة في باريز ما بين السنة 1857 والسنة 1866،
نامعلوم صفحہ
3
ولا يستغني الباحث عن الرجوع إلى مجموعة توبنر للوقوف على بعض هذه النصوص التاريخية نفسها؛ لأنها جاءت في هذه المجموعة أدق وأضبط،
4
وقد يضطر الباحث إلى مراجعة مجموعتي دندورف
5
ومولر
6
أو إلى نصوص بيوري،
7
وقد لا يستغني عن الاستعانة بسير القديسين فيعود عندئذ إلى مجموعة الآباء البولنديين التي بدأت تظهر منذ السنة 1643.
نامعلوم صفحہ
8
وما تبقى من الرسائل الديبلوماسية التي تبودلت بين حكومة القسطنطينية والحكومات المعاصرة محفوظ في مجموعة ميكلوسيخ ومولر،
9
ومجموعة تافل وتوماس،
10
وقد جاءت المجموعة الأولى في مجلدات ستة، نشرت في فيينة بين السنة 1860 و1890، وجاءت المجموعة الثانية في ثلاثة مجلدات نشرت في فيينة أيضا في السنة 1856-1857، وجمع جافي رسائل الباباوات فنشرها في برلين في مجلدين ما بين السنة 1885 والسنة 1888،
11
وتعاون أساتذة فيينة ومونيخ في ضبط هذه الرسائل وإعادة نشرها، فظهر في السنوات 1924-1932 مصنف دولغر في ثلاثة مجلدات،
12
وظهر في السنة 1932 الكراس الأول من مجموعة الأب غرومل لبيانات ورسائل البطريركية المسكونية،
نامعلوم صفحہ
13
وأفضل ما يرجع إليه في التشريع والقوانين مجموعة مومسن وكروغر وشول في شرائع يوستنيانوس - وقد طبعت في برلين في مجلدات ثلاثة ما بين السنة 1872 والسنة 1895
14 - ومجموعة زخريا لنغنتال في شرائع الأباطرة المتأخرين، وقد ظهرت هذه المجموعة في سبعة مجلدات في ليبزيغ ما بين السنة 1856 والسنة 1884.
15
ولا بد للباحث في تاريخ الكنيسة من الرجوع دائما إلى مجموعة منسي في المجامع، وقد نشرت هذه المجموعة لأول مرة في فلورنزة والبندقية في واحد وثلاثين مجلدا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر (1759-1798)، ثم أعيد طبعها ما بين السنة 1901 والسنة 1927، فظهرت في ثلاثة وخمسين مجلدا،
16
هذا ولا يخفى أن مجموعة الآباء اليونان
Graeca
المشار إليها آنفا تتضمن نصوص أشهر مؤلفات الآباء.
وليس لدينا في نقوش الروم مجموعة كاملة، وأفضل ما يرجع إليه مصنف ميله في نقوش جبل أثوس
نامعلوم صفحہ
17
وكتاب ليففر في نقوش مصر المسيحية
18
ومجموعة غريغوار في نقوش آسية الصغرى المسيحية.
19
وأقدم المصنفات العصرية في النقود البيزنطية كتاب سباتييه الإفرنسي
20
الذي ظهر في باريز في مجلدين في السنة 1862، وأحدثها عهدا وأكملها كتاب روث
21
في مجموعة النقود البيزنطية في المتحف البريطاني، وقد ظهر هذا أيضا في مجلدين ولكن في السنة 1908، وليس لدينا في الأختام البيزنطية سوى مؤلف شلومبرجه.
نامعلوم صفحہ
22
والمؤلفات الحديثة التي تبحث في تاريخ الروم كثيرة متنوعة، تعد بالمئات، والمقالات التي دبجت في نواح معينة من تاريخ الروم وحضارتهم ونظمهم كثيرة أيضا، وأولاها بعناية الباحث مؤلف كارل كرومباخر الألماني في تاريخ آداب الروم؛ فإنه على الرغم من قدم عهد هذا المصنف لا يزال مفيدا جدا في كمية معلوماته ودقتها،
23
ولا يزال تاريخ سقوط الإمبراطورية الرومانية لإدوارد غيبون مفيدا موقظا؛ لأنه تاريخ كبير لمؤرخ عظيم،
24
ولنا في كتاب تاريخ الروم حتى نهاية القرن العاشر الذي صنفه المؤرخ الفرنسي غوستاف شلومبرجه قصة مفصلة جذابة، ظهرت في مجلدات ثلاثة في باريز ما بين السنة 1896 والسنة 1905،
25
وللأستاذ بيوري الإنكليزي مصنفان لائقان بالاهتمام أولهما في تاريخ الروم ما بين السنتين 802 و867، وهو أفضل ما صنف في تاريخ هذه الحقبة، والثاني في تاريخ الروم ما بين السنة 395 والسنة 565، وقد ظهر في لندن في مجلدين في السنة 1923، وهو مصنف عادي،
26
على أن أفضل المصنفات في تاريخ الروم العام أربعة: أولها العالم الشرقي ثم أوروبة الشرقية للعلماء الإفرنسيين شارل ديل وجورج مارسه ورينه غروسه وغيرهم، وقد ظهرت في مجموعة غلوتز في السنتين 1944 و1945،
نامعلوم صفحہ
27
وثانيها العالم البيزنطي للمؤرخ الإفرنسي لويس براهيه، وقد جاء هذا في مجلدات ثلاثة في مجموعة تطور الإنسانية التي يشرف عليها المؤرخ هنري بر،
28
وثالثها كتاب البحاثة أوستروغورسكي الذي ظهر في مونيخ سنة 1940،
29
ولا يخفى ما لهذا العالم من أبحاث في اقتصاديات الروم واجتماعياتهم، ورابعها وأحدثها جميعا من حيث إعادة النظر والتنقيح؛ كتاب العلامة الروسي ألكسي فزيلييف، الذي ظهر أولا بالروسية ثم نقل إلى الإنكليزية والإفرنسية، وقد أعيد طبعه بالإنكليزية بإشراف مؤلفه الذي يجيد هذه اللغة في السنة 1952،
30
وذلك في مديسن من أعمال ولاية وسكونسن الأمريكية.
وهنالك أبحاث عديدة هامة في مواضيع خصوصية متنوعة أشير إليها في هامش هذا الكتاب، فلتراجع في محلات وقوعها.
وفي الختام لا بد لي - قضاء لحق الصنيعة - من إسداء عاطر الشكر لحضرة الأديب المدقق الأستاذ رئيف خوري الذي بذل بسخاء من وقته لمطالعة مخطوطة هذا الكتاب كلمة كلمة وحرفا حرفا، فأبدى ملاحظات قيمة في المعنى والمبنى، وكذلك لا بد لي من الاعتراف بفضل حضرة الأديب الشيخ فؤاد حبيش؛ الذي شجعني على نشر هذا الكتاب.
نامعلوم صفحہ
ولن أنسى عطف مؤرخ بيروت الأكبر العلامة الأب رينه موترد اليسوعي، وتشجيع صديقي الأستاذ فؤاد إفرام البستاني رئيس الجامعة اللبنانية، ومعونة زملائي فيها؛ الأستاذ بطرس البستاني والأمير موريس شهاب والدكتور بطرس ديب. وقد لقيت في شخص رئيس دائرة التاريخ في جامعة بيروت الأمريكية الدكتور نقولا زيادة وفي الأستاذين الدكتورين جبرائيل جبور وأنيس فريحة أصدقاء مخلصين مضحين. وهل أنسى ما عانته زوجتي وشريكة حياتي من مشقة في تأمين راحتي وانقطاعي لهذا العمل زهاء سنتين كاملتين!
وكان الفراغ من تأليفه في رأس بيروت، في الثالث والعشرين من تشرين الأول سنة 1955.
أسد رستم
الباب الأول
المقدمة
الفصل الأول
تقهقر رومة الداخلي وأزمة القرن الثالث
النظام الكولوني وتأخر الزراعة
كان من جراء التوسع العسكري الروماني أن تعاظم كسب قادة الجيش وضباطه وحكام الولايات وكبار الموظفين، فعادوا إلى أوطانهم متمتعين بجميع ضروب التنعم والترف، مشبعين بغطرسة من ذاق لذة السلطة المطلقة بعيدا عن وازع الشريعة الرومانية وقيود النظم الجمهورية. ولم يكن في نظر الرومانيين ليليق بشيوخهم وعظمائهم ووجوههم أن يتعاطوا التجارة أو الصناعة، فتهافت الأغنياء والكبراء على اقتناء المزارع يضمون بعضها إلى بعض، فيكونون منها مزارع مترامية متسعة، ويستاقون إليها من ملكت أيمانهم من الأرقاء. ولم يقو المزارع الصغير على مزاحمة جاره الكبير فضم أرضه الصغيرة إلى أرض جاره الكبيرة، وربط نفسه بتلك الأرض إلى الأبد. ومع أن هذا النظام الكولوني لم يجعل منه رقيقا لسيده، فإنه فقد حريته أن يذهب حيث يشاء، وتعددت هذه المزارع الضخمة في إيطالية وصقلية وإسبانية، ولم يبق من المزارع الصغيرة القديمة إلا نزر يسير.
وكانت حياة الرقيق في هذه المزارع شاقة تعسة؛ فإنه كان يحشر ليلا في الثكنات حشرا ويساق نهارا إلى الحقل سوقا، وكان يكوى بمياسم؛ ليبقى الوسم علامة يعرف بها عند الفرار، فنفر الرقيق من صحبة سيده وانقبضت نفسه عن العمل له بإخلاص وأمانة. واضطر سيده أن يكلفه من العمل أنواعا معينة، تلك التي لا تتطلب الكثير من الأمانة والإخلاص، فحمله على تربية المواشي ورعايتها، فتضائلت - على الأيام - حقول القمح وبساتين الزيتون وكروم العنب، وبار بعض الأراضي وترك لينبت فيه العشب فترعاه تلك المواشي. واعتمدت رومة على قمح مصر وحبوبها لتغذية أبنائها وأبناء المدن الإيطالية الأخرى، وحذرت تصدير هذه الحبوب إلى أي مكان آخر، وسئم المزارع الكولوني هذا النظام، فهجر الأرياف وازدحم في المدن، ولا سيما رومة، ونافس غيره من الفقراء فيها على نصيب يناله معهم من إحسان الدولة، وكانت رومة قد أخذت تقل حروبها منذ عهد أوغوسطوس قيصر فيتناقص معها عدد الأسرى، وقلت اليد العاملة، فبارت الأرض لهذا السبب أيضا، وضعف الإنتاج الزراعي.
نامعلوم صفحہ
عداء مزمن بين الأغنياء والفقراء
وثار العبيد الأرقاء قبل أوغوسطوس أكثر من مرة، ودامت ثورتهم الثالثة بقيادة أسبارتاكوس سنتين (73-71ق.م )، وانتفضوا على سادتهم في صقلية وقتلوهم وأعلنوا استقلالهم عن رومة، ونفر أصحاب الحقول الأحرار في إيطالية وغيرها وأحرقوا المزارع الكبيرة التي أنشأها كبار الملاكين، فكان هذا كله مظهرا للضغائن في الصدور بين الأغنياء والفقراء، ولم ينته صراع العبيد والفقراء بانتصار ليكينيوس كراسوس على أسبارتاكوس،
1
بل استمر متقطعا ما دامت الإمبراطورية الرومانية، ومن هنا قول ماكروبوس الفيلسوف السياسي الذي عاش في القرن الخامس بعد الميلاد: «عبيدنا أعداؤنا.» وكان كلما صرع سيد بيد مجهولة اتهم بقتله أرقاؤه وقاسوا من جراء ذلك شتى ألوان العذاب، وربما فقدوا الحياة.
ولا يخفى أن رومة ميزت في شرائعها بين فصيلتين من الرقيق: أرقاء الأرياف، وأرقاء المدن،
2
وكان هؤلاء يشملون في عدادهم الخدم والحشم والأطباء والأساتذة ورجال الفن والقلم وحاشية الأباطرة وكبار الرجال في السياسة والحرب. ولما كان الجهاز الإداري مربوطا بشخص الإمبراطور؛ فإنه أصبح - منذ عهد كلوديوس - يعج بهؤلاء الأرقاء من رجال الأباطرة، بيد أن الأرقاء لم ينظموا صفوفهم، ولم يكن لديهم - في وقت من الأوقات - برنامج سياسي معين يسعون لتحقيقه، وجل ما بلغوا إليه أنهم كرهوا أسيادهم، وثاروا في وجههم، وتمنوا زوال نعمتهم، وذلك بحركات متفرقة في غالب الأحيان.
تأخر الصناعة والتجارة
وأدى توسع رومة في الشمال والجنوب والشرق والغرب إلى توسع مماثل في أفق أبنائها العاملين في حقلي الصناعة والتجارة، فخرجوا من إيطالية إلى الولايات الجديدة يوظفون أموالهم فيها، وقام من أبناء هذه الولايات نفسها، ولا سيما الشرقية منها، من شاطر هؤلاء عملهم وإنتاجهم، فنشطت الزراعة والصناعة والتجارة في الولايات، وأخذت آسية الصغرى مثلا تصدر ذرتها وخمرها وسمكها المجفف ومنسوجاتها الصوفية وصباغها الأرجواني، وعاد زجاج الساحل اللبناني إلى سابق تفوقه، ومثله كتان هذا الساحل وحريره وصوفه المصبوغ. وعادت الجاليات اللبنانية السورية إلى سابق عهدها في الغرب، توزع بضاعة البلد الأم في إيطالية وصقلية وغالية ووادي الرين وبريطانية، وظهرت نشيطة قوية في تراقية ووادي الدانوب الأسفل وجنوبي روسية، ومع الزمن فقدت إيطالية سيطرتها الاقتصادية التي كانت قد كسبتها في حروب التوسع المتتالية، وإنتاجها الصناعي الذي كانت تنتجه بالكميات الكبيرة قل وتدنى فأصبح في مستهل القرن الثالث بعد الميلاد إنتاجا إفراديا قليلا، وقل الدخل عموما، فقل دخل الدولة، والتجأ الأباطرة إلى غش العملة، فأصبحت هذه في عهد مرقوس أوريليوس مغشوشة بمقدار ربع وزنها، وبعد جيلين فقط لم يبق في النقود الفضية أكثر من خمسة في المائة من زنتها فضة.
انحطاط الجيش
نامعلوم صفحہ