وبما أن الشعب كان جاهلا غير طامح إلى الارتقاء في السلم الاجتماعي كأبناء الطبقة الوسطى، وبما أنه كان شاعرا ببعده من درجة الأشراف غير طامع في مساواتهم، كانت أغراضه ومنافعه تختلف كثيرا عن أغراض علية القوم ومنافعهم.
بيد أن ما وقع بين المجلس النيابي والملك من المنازعات أوجب تدخل الشعب فيها شيئا فشيئا فأصبحت ثورة الطبقة الوسطى ثورة شعبية بذلك، وبما أن المبدأ لا يؤثر إلا إذا استند إلى العاطفة والتدين وجب على مبادئ الطبقة الوسطى النظرية، لتؤثر في الشعب، أن تتحول إلى إيمان جديد واضح مشتق من المنافع العملية الظاهرة.
تم هذا التحول بسرعة عندما سمع الشعب الرجال - الذين كانوا الحكومة في نظره - يقولون له إنه مساو لسادته السابقين فاعتبر أنه كان ضحية وشرع ينهب ويحرق ويقتل ظانا أنه يتصرف في حق له.
وهكذا تجلت قوة المبادئ الثورية في منح حرية السير والعمل لأصحاب الغرائز الفطرية الضارة التي ردعتها البيئة والتقاليد والقوانين منذ القديم.
ولما أخذت الزواجر الاجتماعية التي كانت تزجر عامة الأمة تتداعى على الوجه المذكور تصور هؤلاء أن قوتهم غير محدودة فصاروا يطاردون سادتهم السابقين ويسلبونهم أموالهم، وهل يمتنع الشعب عن فعل كل شيء بعد أن يصبح حاكما؟
لم تلبث كلمة الحرية والمساواة والإخاء التي كانت عنوان الإيمان الجديد والآمال الجديدة في بدء الثورة أن أخذت تسوغ غرائز الطمع والحسد والحقد، تلك الغرائز المحركة للجماعات والتي لا يزجرها نظام، وهذا ما جعل النظام يختل والظلم يسود والفوضى تعم في وقت قصير.
وبعد أن هبطت الثورة الفرنسية من الطبقة الوسطى إلى طبقة العوام تقلص ظل العقل وتغلبت عليه الغرائز، وانتصار الغرائز الموروثة أمر مخيف، فلم تؤد المجهودات التي قامت بها المجتمعات لتعيش إلا إلى زجر بعض الغرائز الحيوانية الموروثة، نعم يمكن ردع هذه الغرائز، وكلما تقدمت الأمة في ميدان الحضارة صار هذا الردع أتم وأكمل، إلا أنه يستحيل القضاء عليها؛ ولذا كان تحريرها خطرا جدا، فمتى فاض السيل لا يرجع إلى مجراه قبل أن يخرب ما يصل إليه. (3) شأن الشعب في الثورات
تثبت لنا سنن روح الجماعات أن الشعب لا يسير من غير زعماء، وأن عمله - وإن كان عظيما في الثورات، لاندفاعه فيما حرض عليه - لا يقود ما ينجزه من الحركات أبدا.
وللزعماء في كل ثورة سياسية تأثير، ومع أنهم لا يبتكرون المبادئ التي تستند إليها فإنهم يتخذونها وسيلة للعمل، فلكل من المبادئ والزعماء والجيوش والجماعات شأن خاص في جميع الثورات.
وتسير الجماعات التي هيجها الزعماء معتزة بعددها، ومثل تأثيرها كمثل تأثير القنبلة التي تخترق الدرع مستمدة قوتها من شيء آخر، وقلما تدرك الجماعة شيئا من الثورات التي تقوم بها، فهي تتبع الزعماء طائعة من غير أن تبحث عن شهواتهم، فقد خلعت شارل العاشر من أجل مراسيمه، وهي لم تفقه شيئا من أمر هذه المراسيم، ولو سئلت عن سبب خلعها لويس فيليب لعجزت عن الجواب.
نامعلوم صفحہ