روح عظيم المهاتما غاندي
روح عظيم المهاتما غاندي
اصناف
فالرجل كما أسلفنا ناسك جاد في نسكه قبل كل شيء وبعد كل شيء؛ عنايته الكبرى منصرفة إلى المسائل الأبدية التي تحسب بأعمار الأكوان ولا تحسب بأعمال الآحاد، ولكنه زعيم الهند وقائد أبنائها في طريق الحياة القومية، فلا مناص له من العناية بمسائل الحاضر وشواغل الساعة، ومن هنا يأتي التناقض لا محالة، كما لا بد أن يأتي في كل توفيق بين مسائل الأبد الباقي ومسائل الساعة العابرة.
قد يقال: وما للناسك الجاد في نسكه وللسياسة؟ إنه غريب عنها وهي غريبة عنه ... عليه أن يعتزلها مع الدنيا، وأن يدع للناس أمر دنياهم يدبرونه على هواهم، وينجو بروحه وضميره من هذا الزحام، إلى صومعة من صوامع الوحدة والقنوت.
وهذه حقيقة تقال وتسمع في سيرة غاندي وأمثاله.
ولكنها حقيقة ناقصة؛ لأنها حقيقة من جانب واحد، وهو الجانب الذي يملكه غاندي ويختاره، دون الجانب الذي يساق إليه على الرغم منه، وهو قيادة الهند بأجمعها في طريق الخلاص.
إن الهند لا تنفعها إلا زعامة واحدة: وهي الزعامة التي تخاطب روحها وتنفذ إلى صميم وجدانها.
إن زعامة الساسة الذين ينغمسون في الدنيا تضلها وتؤذيها وتثير فيها الريبة وسوء المظنة.
فلم تخلق لها زعامة أصلح من زعامة الرجل الذي لا يستراب في مقاصده ونياته، وهو الرجل الناسك المقبل على عالم الروح.
فالهند لا تترك غاندي إذا تركها.
وهو إذا تركها كان أقل من غاندي وأصغر؛ لأنه يؤثر خلاصه على خلاصها، وينظر فيما يريحه ولا ينظر فيما يريحها.
وإنما يكون ترك الزعامة «تضحية» عندما تكون الزعامة كسبا وجاها لصاحبها، فيقال: إنه ضحى بالكسب والجاه في سبيل العزلة الروحانية.
نامعلوم صفحہ