388

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

اصناف

المركيزة دي شمري

أعلمت الآن يا ولدي السبب الذي دعى أباك إلى احتقاري، فقد كان يحسبني من أحط النساء العابثات بالواجبات، ويحسب أن أختك عار عليه لاعتقاده أنها بنت الجريمة، وذلك لأني ولدتها في منزل المركيزة التي أرادت لحقدها علي أن تدنس شرفي قبل موتها، فلقيت أشد العذاب لجفاء أبيك في ذلك العهد الطويل.

ولما قرأت هذه الرسالة الكاذبة جثوت راكعة أمام سرير أبيك، وسألت الله أن يلهمه إلى سبيل السداد، فيثق ببراءتي قبل أن يموت، وقد أراد الله أن يجيب ندائي، فإن أباك أيقن مما رآه وسمعه مني بطهارتي، فسألني الصفح بدلا من أن يصفح عني، وفاضت روحه الكريمة وهو يباركني.

وقد أخبرني قبل أن تحضره الوفاة أنه هو الذي اختطفك، وسوى ذلك من التفاصيل التي علمت منها محل وجودك، فعد أيها الحبيب إلى أحضان أمك؛ لأنها تنتظرك بفارغ الصبر.

إلى هنا انتهت رسالة المركيزة إلى ولدها ، فتناولها روكامبول ووضعها مع أوراق الشهادة، ثم بدأ يقرأ الأوراق الباقية في الحقيبة ورأى بينها مذكرات كتبها البحار عما لا يزال عالقا بذاكرته عن اختطافه، وكيف أن أباه أخذه من الغرفة التي كان نائما فيها وذهب به إلى الهافر، وهناك سلمه إلى ضابط إنكليزي في إحدي السفن، إلى غير ذلك من المذكرات التي قرأها روكامبول بإمعان شديد.

ولما أتم قراءتها جميعا قال: إن جميع هذه الأوراق تثبت أن هذا البحار هو ابن المركيز دي شمري، ولكنه لا يستطيع الخروج من الحفرة إلا بإذني، ثم إني لا أجد فائدة من قتله، فإن هذا السجن الذي هو فيه كاف لقتله.

وعند ذلك أرجع الأوراق إلى الحقيبة وشدها بالمنطقة إلى وسطه، وذهب إلى الشاطئ فرأى أن البحر عاد إلى السكون، وأن أرض فرنسا لا تبعد عنه أكثر من ساعة، فألقى نفسه في البحر وراح يسبح مجدا إليها.

3

في الساعة الثالثة بعد ظهر أحد أيام المرافع، كان شارع سانت كاترين بباريس غاصا بالناس، إلا أن اجتماعهم في ذلك الشارع لم يكن لفرجتهم على ملك المرفع، ولا على الذين يمرون أفواجا وهم بملابس تستوقف الأبصار، بل إنهم كانوا محتشدين أمام ملعب صغير يسمعون فتاة حسناء تدعوهم إلى الدخول للفرجة على سلطان القبائل المتوحشة، وتحكي لهم عنه حكاية عجيبة تدفعهم إلى الدخول، فيدخلون ويخرجون أفواجا.

وقد مرت في ذلك الحين مركبة تقل شابا جميل الطلعة عليه ملامح النبل والذكاء، فلما رأى الناس محتشدين على باب هذا الملعب أوقف المركبة، حتى إذا سمع الفتاة تقص حكاية زعيم القبائل المتوحشة، نزل من المركبة ودفع للفتاة 20 فرنكا دون أن يتدانى إلى إرجاع الباقي مما زاد عن أجرة الدخول، فأعجبت الفتاة بكرمه، ودخل وهو غير مكترث لها إلى حيث كان هذا الزعيم، فرأى منظرا تتأثر له القلوب القاسية.

نامعلوم صفحہ