واحتضنت آية النساء بالقسط والشهادة لله، وآية المائدة بالقيام لله والشهادة بالقسط لسر عجيب من أسرار القرآن ليس هذا موضع ذكره.
ثم قال تعالى: الأقربين ﴿وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ فأمر سبحانه أن يقام بالقسط ويشهد على كل أحد ولو كان أحب الناس إلى العبد، فيقوم بالقسط على نفسه ووالديه الذين هما اصله وأقاربه الذين هم أخص به والصديق من سائر الناس، فإن كان ما في العبد من محبة لنفسه ولوالديه وأقربيه يمنعه من القيام عليهم بالحق، ولاسيما إذا كان الحق لمن يبغضه ويعاديه قبلهم، فإنه لا يقوم به في هذا الحال إلا من كان الله ورسوله أحب إليه من كل ما سواهما، وهذا يمتحن به العبد إيمانه فيعرف منزلة الإيمان من قلبه ومحله منه، وعكس هذا عدل العبد في أعدائه ومن يجفوه، فإنه لا ينبغي أن يحمله بغضه لهم أن يحيف عليهم، كما لا ينبغي أن يحمله حبه لنفسه ووالديه وأقاربه على أن يترك القيام عليهم بالقسط، فلا يدخله ذلك البغض في باطل ولا يقصر به هذا الحب عن الحق. كما قال السلف: " العادل هو الذي إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، وإذا رضي لم يخرجه رضاه عن الحق ".
اشتملت الآيتان على هذين الحكمين: وهما القيام بالقسط والشهادة به على الأولياء والأعداء.
ثم قال تعالى ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ منكم
1 / 33