ووضعت السماعة إلى مكانها، وأدركت أن تصاريح الأمن لا تحل بالإنسان حين يرغبها، فإذا ما كف تماما عن رغبتها حلت به فجأة من حيث لا يدري كالقضاء والقدر.
أفقت على صوت ينبعث من سقف الطائرة يقول: إننا نحلق فوق ليبيا. جسدي يسترخي في المقعد وخدر لذيذ يسري في كياني، أصبحت خارج حدود الوطن، تحت ضلوعي خفقات تتصاعد بسرعة، والدماء الدافئة تمشي في عروقي، شحنة من الحماس، وحواس جديدة تستيقظ وتتفتح للحياة والحب، أسندت رأسي إلى مسند المقعد وأغمضت عيني ثم فتحتهما، لحن موسيقي في أذني، وعينان زرقاوان تتطلعان نحوي وتبتسمان. كانت تجلس في المقعد المجاور لي وتحضن بين ذراعيها دمية كبيرة من البلاستيك، تهدهدها كأنها طفل حي.
سألتني: عندك أطفال؟
قلت: نعم.
قالت بأسى: حرمت من الأطفال.
وقلت: الحياة فيها أشياء أخرى غير الأطفال.
تساءلت: مثل ماذا؟
قلت: العمل، السفر، الحب ...
تساءلت: هل أحببت؟
وفاجأني السؤال: لم يسألني أحد من قبل هذا السؤال، لكن سؤالها يبدو لي عاديا، وبي رغبة لأفتح قلبي لهذه المرأة؛ فهي لا تعرفني، وسوف نفترق ولن نلتقي بعد اليوم.
نامعلوم صفحہ