وعن أبي رزين "العقيلي: أنه أتى النبيَّ ﷺ، فقال: إن أبي شيخ كبير، لا يستطيع الحجَّ ولا العمرة ولا الظعنَ، قال: "حج عن أبيك واعتمر" رواه الخمسة، وصححه الترمذي، قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجودَ من هذا، ولا أصح منه، انتهى. قلت: وقد جزم بوجوبها جماعةٌ من أهل الحديث، وبه قال أحمد، وإسحاق، والثوري، والمزني، والمشهور عن المالكية: أنها ليست بواجبة، وهو قول الحنفية، ولا خلاف في المشروعية، وقد روي القولُ بوجوبها عن علي، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وزين العابدين، وطاوس، والحسن، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، وهو الراجح.
واختلفوا في ابتداء افتراض الحج، فقيل: قبل الهجرة، قال في "الفتح": هو شاذ، وقيل: بعدها، ثم اختلفوا في سنته، فالجمهور على أنه سنة ست، وقيل: خمس، وقيل: تسع، أو عشر، ورجحه الحافظ ابن القيم في "الهدي"، واستدل على ذلك بأدلة، فليؤخذ منه.
وفي "سفر السعادة": جماهير العلماء: أنه ﷺ حج بعد الهجرة حجة، وتلك حجة الوداع، ولا خلاف أنها كانت في السنة العاشرة من الهجرة، وأما قبل الهجرة، فثبت في الترمذي أنه حج حجتين، ونقل صاحب "المحلى": أنه زاد على ثلاث وأربع، لكن لم يحفظ العدد، ولما فرض الحج في العام التاسع، اشتغل بتجهيز أسباب السفر في الفور، وأما قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]؛ فإنها نزلت في العام السادس، وذا لا يدل على فرضية الحج والعمرة، بل هو أمر بإتمام الحج والعمرة بعد الشروع فيه، انتهى.
٤ - فصل في وجوب الحج على الفور
عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، عن النبي ﷺ، قال: "تعجلوا -أي: الحج-؛ فإن أحدَكم لا يدري ما يعرِضُ له" رواه أحمد، وعن علي -رضي الله تعالى عنه-، قال: قال رسول الله ﷺ: "من مَلَكَ زادًا وراحلة تُبْلِغُه إلى بيت الله، ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا، وذلك أن الله
1 / 42